بقلم محمد الشودري: أجســام الخـلائــق جميعــا - بريس تطوان - أخبار تطوان

بقلم محمد الشودري: أجســام الخـلائــق جميعــا

 

أجســام الخـلائــق جميعــا

من هواء الجو،

ومن ماء الأرض وملحها، تتخلق.

وإلى الجو، وإلى الأرض، هي تعود.

وهكذا دواليك.

ونقول الخلائق جميعا، إدماجا لها في وحدة من الأصول كاملة، وشملا لها في وحدة من التصدع والتهدم لا تخرج عنها أبدا. وهذا وجه عظيم من وجوه الوحدة. وحدة الخطة، وحدة السنة التي تتراءى فيها وحدة الله.

إن النبات يؤلف جسمه من ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز في الهواء، ومن الماء والأملاح الذائبة فيه لاسيما أملاح الأزوت، وهي في الأرض، ثم من الشمس، تدخل بأشعتها بين أكسيد الكربون والماء كما تدخل الإبرة بخيطها في الثياب فتجمع ما تفرق من أجزائه.ويخلق النبات من كل هذه الأشياء، في حضرة صبغه الأخضر، السكر. ومن السكر والأزوت يصنع النبات بعد ذلك البروتينات. ويخلق النبات مما لديه كذلك الدهن.

وإذن فقد تهيأ للنبات أن يجمع بين أصول الغذاء الثلاثة الشهيرة. وكذلك هو يصنع مواد أخرى غير أصوله الشهيرة هذه كالفيتامينات والهرمونات والأنزيمات وغيرها.

وعلى هذا يحيا النبات، وعلى هذا النحو ينمو.

إنها مواد بسيطة، قليلة النشاط ، خامدة الحيوية نسبيا (ثاني أكسيد الكربون والماء والأزوت وسائر الأملاح) في أرض وهواء، اقتبسها النبات، ليصنع منها جسما لنفسه، وذلك بتحويلها إلى مواد كيماوية أعقد تركيبا، وأكثرنشاطا، وأسرع تحولا في التركيب عندما تلتقي بأضراب لها.

وتسأل عن سر هذه النقلة، من قلة النشاط، إلى كثرته وشدته، فتعلم أنها طاقة الشمس دخلت إلى عناصر هذه المواد المركبة فربطت بينها ربطا جديدا، واستقرت فيها.

وطاقة الشمس، وهي طاقة إشعاع، أصبحت في هذه المركبات، في أجسام تلك النباتات طاقة كيماوية، بعد أن كانت طاقة إشعاعية.

وتأتي الحيوانات، كل الحيوانات، لتبني أجساما ولتجرى حياة، فلا تجد أمامها إلا النبات سبيلا. إنها تأكله.

إن الحيوان ليس له ورق أخضر يمارس به التخليق الضوئي، بأشعة الشمس، وأكسيد كربون الهواء، وماء الأرض فينتج من ذلك سكرا.

ليس في الحيوانات هذا الجهاز.

ولكن في الحيوانات الجهاز الذي به تهضم ما أكلت من نبات، ومن هذا المهضوم، تبنى جسمها، وتجرى الحياة.

ومن الحيوانات ما لا يستطيع أكل النبات غذاء، فيصبر حتى يأكل النبات حيوان من آكلات العشب، فيأتي هذا الحيوان الأول الذي عاف النبات، فيأكل آكل النبات.

وسمينا الأول آكل لحوم. وما اللحوم إلا من نبات. إنه طعام تجهز مرتين، مرة في النبات، ومرة في الحيوان المعشب. والأصل واحد.

والحيوان حي أنشط من النبات وأنشط كثيرا. ولنشاطه وجوه عدة. وهي وجوه مختلفة. وهي وجوه قل منها ما يوجد في النبات. والحركة أظهرها.

ومرد هذا النشاط إلى طاقته الكيماوية.

ومرد طاقته الكيماوية إلى تلك الطاقة الأولى الشمسية، الطاقة الإشعاعية التي ربطت بها أوراق الشجر ما بين البسيط من المركبات لتحصل على المعقد الكيماوي منها كما سبق أن ذكرنا.

جدول يوضح كم في جسم الإنسان من عناصر وكم من أصول الأغذية الثلاثة
   

     1- عناصر جسم الإنسان :         2- أصول الأغذية الثلاثة :
 

 
والطاقة الكيماوية التي في الحيوان هي التي تتحول إلى حركة. إلى طاقة حركية.

والطاقة الكيماوية التي في الحيوان هي التي تتحول إلى حرارة، إلى طاقة حرارية.

والجسم فيه الكهرباء. إن الأعصاب كلها تعمل بالكهرباء. وهي كهرباء تقاس وترسم. وأنت تذهب إلى الطبيب فيحيلك إلى راسم المخ الكهربائي.

وما كهرباء الأجسام، أجسام الأحياء، إلا طاقة، مستمدة مما في هذه الأجسام من طاقة كيماوية، مستمدة هي أصلا من طاقة إشعاعية شمسية.

لاحظ معنى الوحدة الجارية في كل تعابيرنا. فنحن إذا قلنا حيوانا عنينا كل حيوان. وإذا قلنا نباتا عنينا كل نبات، لا نفرق بين نبات ونبات.

وإذا نحن قلنا حيا عنينا كل الأحياء، فالذي ننسبه للحي إنما يشمل الخلائق جميعا.

خلق في الأحياء جميعا أنها تحيا وتموت.

وهو معنى من معاني الوجود يدركه كل إنسان، ولكن ينسى الناس ما فيه من معنى الوحدة التي تشمل الخلق جميعا، وهم ينسون أن الذي صنعهم جميعا ما أراد أن يكون لأحد منهم بقاء. ولو كان صنعهم واحد فواحد فواحد، فتعددت الأرباب، إذن لكان الاحتمال الأكبر أن يكون لكل رب منهم هوى، فرب يطيل، ورب يقصر الأعمار، ورب يبلغ بها مبلغ الخلود. ولكن الواقع أن لكل حياة مدى تتأرجح عنده بين الحياة والموت. ثم تنطفئ الشعلة حقا وصدقا.

وبانطفاء الشعلة تبقى الجثة بلا حياة.

وهذه الجثة إنما صنعت من هواء الجو، ومن ماء الأرض والأملاح الذائبة فيه، فلو أن هذه الجثث بقيت على حالها فلم تتحلل، ولم تتعفن، ولم تنفرط مركباتها الكيماوية المعقدة (من بروتين وشحوم ونشويات وسكريات وغير ذلك) إلى المركبات البسيطة الأولى التي صنع منها النبات جسمه أول مرة بالتخليق في ضوء الشمس وما تلاه من تخليقات كيماوية أخرى، أقول لو بقيت جثث الموتى من نبات وحيوان وإنسان على حالها فلم تنفرط إلى ثاني أكسيد الكربون والماء وأملاح الأزوت، وغيرها، إذن لامتلأ سطح الأرض بالجثث، وأخطر من ذلك أن تفرغ المادة الخام، في هواء وأرض، فلا تجد الحياة ما تصنع منه الأجسام بعد ذلك.

فالفساد الذي يعتري الجثث من بعد موت، ذلك الذي نعافه، إنما هو جزء من المخطط الذي يقضي بتواصل الحياة وتتابع الأحياء، جيلا من بعد جيل،  على سطح هذه الأرض.

وذكرنا دورة الكربون ودورة الأزوت: وانهما عنصران لا يفنيان، فما بال ما أودعته الشمس من طاقة في تراكيب هذه الأجسام ؟.

إن هذه الطاقة هي وحدها التي لا تعود لتستخدم في الخلق والتخليق من جديد.

إنها في الحياة أعطت مخلوقا كالإنسان طاقة الحركة، وأعطته طاقات أخرى بحكم أن الطاقات تتحول بعضها إلى بعض، ومات الجسم فعبثت كائنات التعفين بالذي بقي في الجثة من طاقة كيماوية فتبددت.

إنه النصيب الوحيد، الذي شاركت الشمس به في عملية الخلق، الذي لا يعود.

إنه يذهب في الكون هباء.

ولكن الشمس، بحجمها وبعظيم إشعاعها، تستطيع أن تمون عملية الخلق إلى مدى بعيد، وبعيد جدا، يقع في الحس الزمني للإنسان، بين الفناء والخلود. ولكن ما شيء بخالد وإن طال المدى.

والله الموفق

20/08/2013

محمد الشودري

 

 

 
 

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.