موريسكيّون مأساة شعب تأبى النّسيان - بريس تطوان - أخبار تطوان

موريسكيّون مأساة شعب تأبى النّسيان

موريسكيّون، مأساة شعب تأبى النّسيان

الموريسكيون هي كلمة قشتالية تعني “المسلمون” وأطلق هذا الاسم على أحفاد المسلمين في الأندلس، بعد سقوط غرناطة التي سلّمها بنو الأحمر بعد أن تعهّد فيها الملك فريدناند وإيزابيلا بالإحسان للمسلمين لكنهم نقضوا تلكم العهود، فكان الاضطهاد تلته حملة الإبادة والتهجير، واتخذت سمة الاستماتة والعنف داعية إلى وجوب إبادة المسلمين وإخراجهم من الأندلس مهما كلف الثمن، وقد بدأوا أوّلا بأساليب الترغيب التي لم تأت بنتيجة فقاموا بترهيبهم قصد تنصيرهم وانتهوا إلى محاكم التفتيش بإيعاز من الكنسية التي أذاقت المورسكيين أصنافا وألوانا من العذاب لم يشهد لها التاريخ مثيلا فضيق الخناق على المسلمين ومنعوا من ممارسة عاداتهم وشعائرهم الإسلامية ومنعت اللغة العربية وكل من عرف عنه أنّه مسلم كان مصيره القتل أو الحرق أو تعذيب حتى الموت…

 وكان الملكان الإسبانيان قد تعهدا لمسلمي غرناطة  بالمواثيق التالية التي تم نقضها مثلما ذكر سابقا:

 1 – يمنح الملكان الكاثوليكيان الضمانة الكافية للمسلمين على أملاكهم وثرواتهم، وأن يبيعوا ويبتاعوا ويتبادلوا ويتجروا مع إفريقيا بدون أن يدفعوا ضرائب، أو الواجبات المفروضة عليهم من قبل القانون الإسلامي.

 2 – إن الملكين الكاثوليكيين باسمهما وباسم خلفهما مجبوران على احترام العادات الإسلامية على الدوام بترك مساجدهم وعدم منعهم من الأذان ومن الصلاة ومن تحبيس أملاكهم على مساجدهم لإقامة الشعائر الإسلامية، والحكم يبقى مستمرًّا بين المسلمين على يد قضاة مسلمين، حسب قوانينهم وعوائدهم الاجتماعية والمدنية من إرث وزواج كما كانت من قبل.

 3 – لا يتابع ولا يعاقب ولا يسب ولا يهان أو يتعرض بسوء لمن خالفوا القوانين وحاربوا ضد النصارى من قبلُ، أو كان له موقف معادٍ لهم.

 4 – يسمح للفقهاء بالاستمرار في التعليم بالمدارس العامة ويتقاضون مرتباتهم والصدقات والتبرعات المخصصة لهم من الأحباس لهذا الغرض.

  5-  أي مشكلة تحدث بين مسلم ونصراني ترفع لقضاة يحكمون فيها من الجانبين (قضاة مسلمون ونصارى)، وكل الموظفين أو المستخدمين المسلمين يستمرون في عملهم.

 ثم جاء الملك فيليب الثالث وبعد أن تأكّد للكنيسة أن محاكم التفتيش وكل أنواع التّرهيب لم تجد نفعا في تنصيرهم تمّ إصدار القرار المشئوم في التاسع من أبريل سنة  1609 والمتمثّل في الطّرد الجماعي لكل المسلمين بالأندلس كأوّل تصفية عرقية ودينيّة يشهدها التاريخ.. هكذا وبكلّ بساطة يجد أبناء الحضارة الأندلسية الإسلامية أنفسهم مطرودين بين عشيّة وضحاها من بلادهم التي خلقوا وترعرعوا فيها وسيتّجهون والألم يعتصر قلوبهم صوب الضفة الجنوبية للبحر المتوسّط ملاذا آمنا لهم …ومنهم من اختار الرحيل الى أمريكا أو تركيا ومصر أو بلاد  الشّام.

 

أربعة قرون مرّت على الهولوكست الأندلسي.. على شعب اختار مجبرا الفرار بدينه إلى بقاع غريبة… استقر أغلبهم في المغرب الأقصى ويعدّون حوالي أكثر من 5 ملايين, فبعد أن كانت بلاد المغرب جسر العالم للأندلس ومنه انطلقت أفواج المسلمين الفاتحين أصبحت  محطّة استقبال للمطرودين من تلك الدّيار.

من طنجة إلى تطوان وصولا إلى شفشاون توجد أكبر القبائل الموريسكية وأكثر الأعراق الأندلسية صفاء في العالم كله…هي قبيلة أنجرة.

في هذه المناطق التي استوطنها الموريسكيّون الإسبان المسلمون  ورغم مرور مئات السنين لا شيء تغيّر منذ حطّوا الرّحال قادمين غالبيتهم من أحواز غرناطة فقد حافظوا على نفس المعمار الأندلسي في تجمّعات سكنيّة بين الجبال ربّما خوفا ظلّ يلاحقهم من مطاردة الإسبان لهم.

وعلى ضفاف مضيق جبل طارق وحيث يتراءى الفردوس المفقود اصطفّت عشرات القرى الأندلسية التي سموها بأسماء أحيائهم هناك ..رابطو هنا حالمين وعازمين على العودة التي حسبوها مسألة أيّام أو شهور لكن شيئا فشيئا تبخّر الحلم الأندلسي.

ضاع الحلم لكن لم تضع الهويّة الموريسكية فمن اللهجة إلى العادات والتقاليد إلى الأزياء كل شيء يجعلك تشعر وكأنّك في غرناطة قبل أربعمائة سنة.

تلك البيوت المثلثة الأضلع المعروفة بمقاومتها للثلوج والتي اشتهرت بها غرناطة والمتوشّحة باللونين الأزرق والأبيض تحكي سرّ وطن هجّروا منه قسرا وظلما. يحاكون صور الماضي القريب البعيد علّهم يجدون السّلوى في الوطن الجديد…. في كلّ ركن من حياة الموريسكيّين تبقى الأندلس حاضرة في اللاّوعي متشبثّين بحضارتهم ومعتزّين بانتمائهم  …عيونهم الزرقاء والخضراء وملامحهم الشّقراء تكتب حكاية شعب شرّد دون وجه حق من أرض آبائهم وأجدادهم بعد أن عمروها وشيّدوها وجعلوا منها حضارة عتيدة…ملامحهم  تلك تؤكّد أنّهم هم إسبان مسلمون…وتفنّد مزاعم من قام بملاحقتهم بأنّهم عرب تمّ طردهم إلى البلاد التي منها أتوا غازين.

إن أربعة قرون لم تكن كفيلة بطمس جراح الماضي والمأساة، أو هويّة شعب بأكمله لتبقى القضية الموريسكيّة قضية أندلسية بعيدا عن الشاعرية والرومانسية.

كما أن للموريسكيّين حقهم في الاعتذار لهم والتعويض عن ممتلكاتهم ووطنهم .

لقد اعتذرت إسبانيا مرّتين للّسفادريم”اليهود الشرقيين” الذين هجّروا هم أيضا.

واليوم تدرس إسبانيا قانونا بالاعتذار لمورسكيي العالم والمغاربة خاصة باعتبارها المسؤولة المعنويّة عمّا لحق بأجدادهم ..مستبعدة التعويض المادّي لاستحالة تعويض شعب بأكمله..لكن يمكن أن يحصلوا على امتيازات للاستقرار بإسبانيا كما فعلت مع اليهود السّفارديم.

  صادق منصري/ بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.