تـــاريخ تطوان: حرب تطوان سنة 1860م - بريس تطوان - أخبار تطوان

تـــاريخ تطوان: حرب تطوان سنة 1860م

تـــاريخ تطــــوان

 
حرب تطوان 1860:

*تحويل الأسماء العربية إلى إسبانية:

 ونعود إلى الخريطة التاريخية التي وضعها الإسبانيون لتطوان أثناء احتلالهم لها لنعرف الأماكن التي غير المحتلون أسماءها العربية ووضعوا لها أسماء إسبانية، فنجد ذلك يشمل جميع ما في تطوان من أبراج المدينة وحصونها وأبوابها وساحاتها وشوارعها ودروبها.

أما الأبراج والحصون فقد تكلمنا عليها في فصل سابق، وأما ما عداها فدونك بيانه:

*أسماء الأبواب:

كانت مدينة تطوان في ذلك العهد (1276هـ-1860م) محاطة بسور فيه سبعة أبواب لا يمكن الدخول أو الخروج إلا منها(1) وكان – وما زال – لكل باب منها اسم عربي خاص، ولكن المحتلين كانوا قد وضعوا لها أسماء إسبانية خاصة كما يلي :

1- باب المقابر، Puerta de la Victoria ﭙويرطا دي لا فكتوريا أي باب النصر، ومنها دخل القائد الأعلى لجيوش الاحتلال.

2-باب الجياف،Puerta de Alfonso VIII ﭙويرطا دي ألفونسو الثامن(2) أحد ملوك إسبانيا.

3- باب السعيدة، Puerta de San Fernando ﭙويرطا دي سان فرناندو(3)الملك الإسباني القديس.

4- باب العقلة،(4)Puerta de la Reina باب الرينة أي الملكة، ملكة إسبانيا، الملقبة بصاحبة الجلالة الكاثوليكية.

5- باب الرموز، (5) Puerta de los Reyes Católicos باب الملوك الكاثوليكيين(6).

6- باب التوت، Puerta del Cid باب السيد أحد أبطالهم القوميين(7).

7- باب النوادر، Puerta de Fez باب فاس(8) تفاؤلا بأن يخرجوا منها قاصدين مدينة فاس عاصمة المغرب إلى أن يحتلوها ويقضوا على دولة المغرب كما قضوا من قبل على دولة غرناطة، وبذلك يتم تنفيذ وصية الملكة القديسة إيسابيل الكاثوليكية.

 
*أسماء الساحات العمومية:

ولم  تكن في تطوان ساحات كثيرة، ولعل عددها لم يتجاوز الأربع.

فساحة الفدان سموها ساحة إسبانيا  Plaza de España وهي أكبر ساحة بالمدينة، وقد ظلت تعرف عندهم بذلك الاسم إلى أن حول في عهد الاستقلال إلى اسم ساحة الحسن الثاني.

والساحة التي بنيت بها الإقامة العامة مع روضها الكبير إلى السور الذي كان متصلا بسوق الحوت القديم، سموها ساحة التياترو Plaza del Teatro.

وساحة سوق الحوت وكانت أوسع وأطول مما هي عليه الآن، سموها ساحة ﭙامپلوناPlaza de Pamplona.

وساحة الغرسة الكبيرة وكانت أيضا أوسع مما هي الآن، سموها ساحة اشبيلية Plaza de Sevilla.

 
*أسماء الشوارع والدروب:

وشوارع تطوان أيضا قد بدلوا أسماءها العربية بأسمائهم الإسبانية، وجلها أسماء مقاطعات وبعضها أسماء مدن أو أنهار. ويظهر أنهم إنما سموا الشوارع التي كانوا يسكنونها، أو كانت لهم مصالح بها، وهي جل المدينة، ولعل هذا هو السبب في أننا نجد عددا من الشوارع بدون أسماء في خريطتهم التاريخية.

ودونك أسماء الشوارع والدروب على حسب الحومات:

  *في حومة الطرنكات:

 

 
*في حومة العيون:

وشارع العيون العام، كان اسمه : كايى دي كانطابريا Calle de Cantabria والدروب التي عن يسار الذاهب من السوق الفوقي لباب النوادر لم نجد لها أسماء جديدة، أما التي لجهة اليمين، وهي المتصلة بجبل القصبة فأحدها اسمه كايي دي ويلبا Calle de Huelva وآخر اسمه كايي دي المانسا Calle de Almansa وآخر سوبيدا ديل كاسطيو Subida del Castillo وآخر اسمه كايي دي ريوسيكو Calle de Rioseco وآخر كايي دي ﯖانديا Calle de Gandia.

 
*في السوق الفوقي والطالعة وزنقة المقدم:

الشارع العام للسوق الفوقي، كان اسمه: كاي دي لا البويرا Calle de la Albuera.

والدرب المتصل الآن بقوس الحمام عن يسار الخارج منه للسوق الفوقي كان اسمه ﭙالينثيا – Palencia. والزنقة التي تلي ذلك وهي التي فيها باب الجامع كان اسمها كايى برسلونة Calle Barcelona.

والزنقة التي بين زاوية سيدي بركة والجامع كان اسمها كايي دي مدريد Calle de Madrid والشارع الذي تنتهي إليه الزنقتان المذكورتان لجهة الجبل كان اسمه كايي دي أورنسي Calle de Orense .

وزنقة المقدم كان اسمها كايى دي ليون Calle de León أي زنقة الأسد، ولقد أصابوا في هذه التسمية فلقد كان المقدم احمد بن عيسى النقسيس “وهو المنسوب إليه هذا الشارع” مجاهدا بطلا، وأسدا هصورا، وأهل سبتة يعرفون ذلك جيدا.

ودرب الشرفاء، الذي كان يصل بين المشور وزنقة المقدم، كان اسمه: كاي دي نافارا – Calle de Navarra.

والدرب الذي به الآن الزاوية التجانية كان اسمه: أفييدو Oviedo والقطعة التي بين زنقة المقدم وسوق الحوت كان اسمها: كايى دي لا باركا Calle de la Barca.

 
*في حومة البلد:

وحومة البلد قد وضعوا لبعض جهاتها أسماء جديدة وأهملوا جهات أخرى منها، ودونك ما وضعوا له أسماء إسبانية.

ولنبدأ من حيث انتهينا من قبل.

فالزنقة التي بين السوق الفوقي والشارع  العام للخرازين، كان اسمها كاثيريس Cáceres.

والشارع العام للخرازين إلى الغرسة الكبيرة كان اسمه: كايى دي لوتشانا Calle de Luchana.

ودرب النقابي كان اسمه: كايى ديل بروﭭنثيال Calle del Provincial.

وشارع الوسعة كايى مرسيه Calle de Murcia.

والزنقة التي بين الوسعة والزاوية الريسونية، وهي التي بها الحمام “أنطكيرا” Antequera.

وشارع المطامر كايى دي أفريكا Calle de Africa.

والقطعة التي بين المطامر ومسجد بن صالح “صوريا” Soria. والقطعة التي بين مسجد بن صالح والصياغين (حيث الزاوية الريسونية) كايى دي باثا Calle de Baza.

ودرب بن جلون المتفرع من شارع الصياغين، كايى دي ڤرڭارا Calle de Vergara.

والدرب الذي به الباب الثاني لمسجد بن صالح، كايى سيمانكاس Calle de Simancas.

وبين الفنادق – ألبا دي طورميس Alba de Tormes.

أما المطمار نفسه فكان اسم قطعة منه كايى دي رودريڭو Calle de Rodrigo وقطعة أخرى، لاس ناﭭاس Las navas وأخرى بوربون Borbón.

والشارع الممتد من بين الفنادق إلى الملاح البالي كايى دي فڭيراس Calle de Figueras.

ثم القطعة التي تلي ذلك كايى دي سابويا Calle de Saboya.

والزنقة التي بها روض الشرتي كايى دي كاديث Calle de Cádiz (قادس).

وزنقة الشمع، كايى دي لاكورونيا Calle de  la Coruña.

وشارع الشريشر، وهو الذي بين سيدي السعيدي وباب العقلة كايى دي خنيل Calle de Genil وخنيل هو شنيل، النهر الذي يشق غرناطة.

ونعود إلى الجامع الكبير، فالشارع الذي يبتدئ من أسفل الصومعة متوجها نحو باب السعيدة، كايى دي ثاراڭوسا “سرقسطة” Calle de Zaragoza.

والزنقة المتفرعة من ذلك الشارع عن يمين الذاهب لباب السعيدة كايى دي بايلين Calle de Bailen.

والزنقة التي في آخرها روض السيد وتمتد إلى الباب  الخلفي للجامع الكبير، كايى ديل ﭙرنثيبيCalle del Principe.

والزنقة التي خلف الجامع الكبير لجهة القبلة حيث دور الصفار والعطار والخطيب والحاج إلخ كايى دي أمريكا Calle de América.

والزنقة التي أمام باب دار الفقيه السلاوي كايى دي ﭭسكايا Calle de Vizcaya.

والزنقة الذاهبة من الجامع الكبير للفران المسلس كايى دي أراغون Calle de Aragón.

والقطعة التي بين باب الجامع الكبير والمطامر، كايى دي بلنسية Calle de Valencia وزنقة أحفير، كايى دي كاسطيا Calle de Castilla.

 
*في حومة الرباط السفلي “الربض الأسفل”:

ولنبدأ من حيث انتهينا في حومة البلد.

فالقطعة التي بين باب نقيبة الجامع الكبير ودار اللبادي الكبرى كايى دي لوڭو Calle de Lugo.

ودرب الخدم الذي بالجنوي، كايى دي ألباثيطي، Calle de Albacete وكان هذا الدرب متصلا بزنقة الشمع.

والزنقة التي خلف زاوية سيدي بن الفقيه، وبها روض مرتيل ودار الغنمية، كايى دي طريفة Calle de Tarifa.

والزنقة التي بها دار الصفار وأفيلال إلى نهاية الدرب ، كايي ديل إبرو Calle del Ebro.

والزنقة المتصلة بها، وفيها جامع الرزيني، كايى دي باداخوس Calle de badajoz (بطليوس).

والزنقة التي بين المصدع ودار اللبادي كايى دي مليا “مليلية” Calle de Melilla.

والزنقة التي بين الجنوي والساقية الفوقية، كايي دي مارويكوس “المغرب” Calle de Marruecos.

والزنقة التي بها باب حمام أمحلي، كان اسمها مع الدرب المقابل لها، كايى دي مكناس Calle de Mequinez.

أما شارع الحصارين فكان اسمه، كاي دي لارينا Calle de la Reina.

والشارع الذي بين المصدع وباب العقلة، كايى دي بلباو Calle de Bilbao.

والزنقة الذاهبة من المصدع إلى ناحية السويقة، كايى دي ڭاليثيا Calle de Galicia.

وشارع السويقة الممتد لناحية الساقية الفوقية، كايى دي ألاﭭا Calle de Alava.

والممتد لجهة باب العقلة (وهو شارع السويقة المتسع) كايى ديل مونكايو Calle del Moncayo.

وفي حومة السويقة نجد زنقات بهذه الأسماء:

 

 
ومن ناحية أخرى كان اسم شارع الطرافين المتصل بالفدان، كايى ديل ريي Calle del Rey.

والشارع الذي تنتهي إليه زنقة الزاوية ويصل بين ساحة الفدان وشانتشي كان اسمه كايى ديل ثيد Calle del Cid.

 
*المصلى القديمة والملاح:

أما المصلى القديمة فكان جلها فارغا، والقسم الذي كان مبنيا منها هو المتصل بالسويقة وناحية سيدي مصباح، والطرف المتصل بالفدان وسوق الزرع، وكان اسمها كما بالخريطة التاريخية، كايى دي طرويل Calle de Teruel.

والمتهدم من هذه الحومة، وهو جلها، كان مقررا في ذلك العهد أن تبنى به دار القنصلية الإسبانية، مع كنيسة كاثوليكية، ولكن ذلك لم يتم.

وأما الملاح فقد أطلقوا على كل شارع من شوارعه، وكل درب من دروبه اسما خاصا من أسمائهم أيضا. وقد اجتمع في ذلك من الأسماء واحد وعشرون، منها شارع فاس، وشارع الجيش إلخ.

هذه هي الأسماء التي وضعها الإسبانيون لشوارع تطوان أثناء احتلالها، وقد رأيت أن جلها من أسماء مقاطعات إسبانيا، مما يسر جنود تلك المقاطعات وأهلها، والله أعلم بما وراء ذلك.

 
*الصحف والمطابع بتطوان أثناء الاحتلال:

قال السنيور فڭيراس في كتابه “مارويكوس”: وكانت الجريدة الإسبانية صدى تطوان(El Eco de Tetuán) من أوليات الصحف التي أخرجتها أوليات المطابع التي دخلت قطر المغرب”.

وقد رجعت إلى الخزانة العامة للصحف بتطوان لأخذ معلومات عن جريدة “إل إيكو دي تطوان” فلم أجد بها أي عدد منها، وإنما وجدت بها صورة الصفحة الأولى من العدد الأول منها، وهو مؤرخ بيوم الخميس فاتح مارس 1860.

ويظهر أن هذه الجريدة لم تعش مدة طويلة، فإنهم ذكروا أنها توقفت عن الصدور وخلفتها جريدة أخرى هي “مخبر تطوان”.

وقد وقفت في الخزانة المذكورة على مجموعة من هذه الجريدة التي صدرت بتطوان مكان “صدى تطوان” وهي جريدة “مخبر تطوان” (El Noticiero de Tetuán) إل نوطيثييرو دي تطوان.

وهذه الجريدة كانت صغيرة الحجم إذ أن طول صفحتها لا يتجاوز ثلاثين سنتيمترا، أما عرضها ففيه عشرون سنتيمترا.

والعدد الواحد يحتوي على ورقتين من الحجم المذكور.

ويظهر أنها كانت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع.

والموجود منها بالخزانة المذكورة نحو ثلاثين عددا أولها رقم 15 وهو مؤرخ بثاني سبتمبر سنة 1860 وءاخرها عدد 73 بتاريخ متم ديسمبر من نفس السنة، ولا ندري إلى أي تاريخ استمر صدور هذه الجريدة.

أما موضوعاتها فكانت محدودة، ومن أبرز فصولها المنشورة في أعداد متوالية، فصل في التعصب الديني الإسلامي؟

أما المطابع، فالذي يظهر، أنه إنما كانت بتطوان مطبعة واحدة هي المطبعة التي كانت تطبع بها الجريدتان المذكورتان، وكان اسمها “مطبعة غرسية وكونطيو” Imp. De Garcia y Contillo وكان عنوانها شارع إيبريا رقم 23، ثم صارت تسمى باسم المطبعة العسكرية Imp. Militar واستمرت في نفس المكان، وقد كانت هذه المطبعة صغيرة تدار باليد.

وشارع إيبريا الذي كانت به هذه المطبعة، هو شارع المشور كما بالخريطة الرسمية، ورقم 23، لابد أن يكون في آخر ذلك الشارع، لأنه لا يحتوي على أبواب كثيرة، والغالب على الظن أن الدار التي كانت بها تلك المطبعة، هي الدار التي كانت عن يسار الداخل للمشور من القوس الذي كان متصلا بساحة الفدان، وكانت هي ءاخر دار في ذلك الشارع متصلة بالديوانة(9).

فإذا ثبت ذلك، فإنه يكون من غريب الاتفاق، لأن هذه الدار التي أسست بها أول مطبعة افرنجية، وصدرت عنها أول جريدة سنة 1860م هي نفس الدار التي أسست بها فيما بعد أول مطبعة عربية في تطوان، وصدرت عنها أول صحيفة عربية بها، وهذه المطبعة هي التي جلبها المجمع العلمي التطواني عام 1335هـ 1917م وهذه الصحيفة هي مجلة “الإصلاح” التي أسسها المجمع المذكور في نفس تلك السنة، وكانت “الإصلاح” في حجم جريدة “المخبر” أيضا وهكذا يعيد التاريخ نفسه.

ولكن شتان ما بين خطواتهم وخطواتنا، ويا حبذا لو أن مواطنينا استفادوا مما رأوا لدى أولئك المحتلين في ذلك العهد من وسائل الحضارة والتقدم، ليتهم أسسوا الصحف، وعبدوا الطرق، وبنوا القناطر، وفتحوا المدارس والمستشفيات، ونظموا الجيوش، وقلدوا أولئك المتغلبين في جميع تلك الأشياء التي بها وبأمثالها تغلبوا وتملكوا البلاد، وفرضوا حكمهم على أهلها، وغرامتهم على حكومتها.

حقيقة لقد أدخلت على تطوان التي هي قطعة من المغرب، إصلاحات متعددة متنوعة في ذلك العهد، ولكنها خرجت كما دخلت، دون أن نستفيد منها.

ولقد سمعت من بعض شيوخ تطوان – والدي الحاج أحمد داود، والسيد علي الخطيب والسيد احمد الغنمية (رحمهم الله) أن بعض أهالي تطوان كانوا يستحسنون تلك الإصلاحات المادية الحقيقية النافعة، ويودون لو أن قومنا حافظوا عليها ونسجوا على منوالها، ولكنهم صاروا بذلك الاستحسان أنصاف الكفار في نظر بعض الناس الذين كان منهم بكل أسف من ينتسب للعلم، وذلك لأنهم استحسنوا أعمال الكفار، ومن استحسن شيئا فقد أحب قومه وأهله، ومن أحب قوما حشر معهم، وقبح الله الجهل المركب والتعصب البليد.

 
*أي الفريقين كان أفضل ؟ الجيش أم المتطوعون:

أي من هو الفريق الذي كان أحسن وأفضل وأصلح وأنفع للأمة وللبلاد في هذه الحرب، هل فريق الجيش الذي كان مع الأميرين مولاي العباس ومولاي أحمد، أم فريق المتطوعين الأحرار من رجال القبائل وأهالي المدن المغربية؟

إن الحقيقة – فيما نرى – هي أنه لم يكن هناك جيش بالمعنى الصحيح، وإنما كان هناك متلقطة لا علم لديهم ولا معرفة ولا نظام، وإنما أطلق عليهم اسم الجيش، دون أن يكون لديهم من مقومات الجيوش شيء يذكر.

وما أظن أنه كان فيهم ضابط واحد تلقى أي درس في العلوم الحربية، وربما كان كل ما لديهم مما لدى جيوش الناس، هو أن الحكومة تدفع لهم الملابس والسلاح والمونة من حين لآخر، على ما في ذلك من فوضى وإهمال.

والذي سمعناه من انتقاد هذا الجيش وعيوبه وسيئاته ومصائبه، أكثر بكثير مما عرفنا من حسناته إن كانت له حسنات. وسيدي مفضل أفيلال لما زار المحلة التي كانت مخيمة بين تطوان وسبتة، ذكر أنه وجد الجيش الذي بها منغمس في شرب الكيف وإنشاد القصائد الغنائية، وانه لا يقيم الصلاة ولا يعرف النظافة فضلا عن الوضوء والغسل إلخ.

وسكان تطوان في ذلك التاريخ على العموم، يكادون يكونون مجمعين على أن ذلك الجيش هو الذي قام بأكبر قسط مما نزل بهذه المدينة من نكبات السلب والنهب، والقتل والضرب. وخصوصا بالنسبة للمهاجرين بدينهم وشرفهم إلى حيث يعلمون ولا يعلمون، ويقولون، إنه إذا كانت هناك مواقف مشرفة في ميدان الجهاد والبطولة، فإنما هي للمجاهدين الأبرار، والمتطوعين الأحرار، من أهالي المدن والقبائل المغربية.

وأخونا العلامة الأستاذ التهامي الوزاني، قد كتب لنا عن الفريقين المذكورين ما يلي:

“لم يتمتع المجاهدون بشيء من حلاوة الانتصار، إلا بعد تحطيم الجيش السلطاني النظامي تحطيما نهائيا كاملا. ولربما كانت المقاومة الحرة أبعد من الفشل الذي جره جيشا السلطان، جيش مولاي العباس، وجيش مولاي أحمد، لكن وقائع وادراس التي لم تشارك فيها المحلتان السلطانيتان، هي التي غسلت شيئا من العار، والتاريخ يعيد نفسه، فإن جيش الوطاسيين هو الذي مكن للبرتغال، لكن جيش الزوايا والمتطوعة، هو الذي حرر المغرب، وكون له دولة جديدة هي الدولة السعدية.

وقد أحسن مولاي العباس في إعراضه عن المحلة وتزعمه المتطوعين.

وكان ضرر الجيش عظيما، فإن التطاونيين المتألمين، لم يكونوا يفرقون بين مصيبة الكافرين ومصيبة الناهبين.

وكان على مولاي العباس أن ينظم عشر قوافل للمهاجرين، مع كل قافلة خمسون متطوعا من ذوي المروءة، لكنه ترك كل شيء بحاله، واللجنة لم تفكر في أمن المهاجرين حتى يصلوا إلى القصر والعرائش وشفشاون وطنجة والقبائل، وهذا أمر كان يتم نظامه في نصف ساعة بإطلاق البراريح ان الخليفة سيوجه حراسا يخفرون المهاجرين إلى عشر مدن مثلا، وهذه أمور تحتاج إلى تفكير ولو قليلا، وقليله مفقود.   
 
   

 

 

 
    نقلا عن موضوع ذ.محمد الشودري (مقالات في كلمات عدد 83)/  تاريخ تطوان “للفقيه العلامة المرحوم محمد داود – تطوان” 1386- 1966 

                 القسم الثالث من المجلد الخامس (من: ص 229 إلى 240)

—————————————-

(1)– هذه الأبواب السبعة مازالت ستة منها باقية بأقواسها كما كانت عليه في ذلك العهد، أما السابعة وهي باب التوت التي كانت أكبر الأبواب وأفخمها، فإنها هدمت واندثرت ولم يبق لها أثر، وذلك بعد انتهاء عهد الحماية وعودة الاستقلال إلى البلاد.

(2)– ألفونسو الثامن، هو ملك قشتالة، ويلقب بـ Bueno أي الطيب، وهو بطل موقعة العقاب المشئومة التي انتصرت فيها جيوش النصرانية على جيوش الناصر الموحدي من الأندلسيين والمغاربة (1158- 1214م).  م.ب

(3)– سان فرناندو، هو فرناندو الثالث ملك قشتالة وليون، عرف بسان فرناندو لكثرة انتصاره في المعارك ضد المسلمين، ولبنائه عددا من الكنائس ببرقش وطليطلة وغيرهما ولشدة تعصبه للكثلكة، وهو الذي حول المسجد الجامع بقرطبة إلى كنيسة وأمر بأن يقطر المسلمون بسلاسل من حديد ويقادوا إلى حمل الأجراس الكبيرة ويصعدوها إلى مأذنة المسجد ليستعاض برنينها عن الآذان، وذلك للمبالغة في التشفي من المسلمين وتحقيرهم، وقد احتل اشبيلية بعد حصار مرير، واحتل كذلك يابسة، وعرف باضطهاده لليهود والمسلمين على السواء، ولأجل ذلك كله منح لقب قديس (سان) وعرف به، ولد سنة 1199م وولي سنة 1217م وهلك سنة  1252م.  م.ب   

(4)– باب العقلة، بضم العين وسكون القاف وفتح اللام.

(5)– الرموز، اسم عائلة تطوانية انقرضت، وهو بتشديد الراء والميم.

(6)– الملكان الكاثوليكيان، هما فرناندو الثاني ملك أراغون (1479- 1516) وزوجه إيسابيل الأولى ملكة قشتالة وليون، (1474- 1504) وبزواجهما تم  اتحاد إسبانيا، وعلى يديهما تم سقوط غرناطة آخر مملكة عربية بالأندلس، وفي أيامهما تم للكاردينال سيسنيروس تنصير القاعدين من المسلمين بالأندلس وإجلاء المتمسكين بدينهم، وذلك سنة 1499م.   م.ب

 (7)– السيد (Cid) هذا هو الفارس الشجاع الأشهر دون رودريڭو دياث دي بيفار المعروف في تاريخ النصرانية بالسيد كمپيادور Campeador الذي يضرب به المثل عند الإسبانيين في الحروب النصرانية في الأندلس، وهو الرسول الذي أرسله الفونس السادس لقبض الجزية من المعتمد ابن عباد، ويسميه المقري في “النفح” القنبطور، ويسميه ابن بسام رذريق الكنبيطور ويقال: إن لفظة السيد هذه محرفة عن لفظ السيد العربي، حيث كان أتباعه من المرتزقة ينادونه بها، وقد حاربه المرابطون في عدد من المعارك حتى هلك سنة 1099م.  م.ب

(8)– من هذه الأسماء وما تقدمها وما ياتي بعدها، يعلم القارئ الكريم، الروح التي تسيطر على الإسبانيين في تصرفهم، فهم يحيون أسماء الأشخاص الذين انتصروا على المسلمين، وأسماء المواقع التي انهزم فيها المسلمون ليرضوا غرائزهم ويمعنوا في التشفي من الذين أوقعهم سوء حظهم تحت حكمهم، ولقد صحبتهم هذه الروح حتى في احتلالهم الثاني لتطوان سنة 1913م فقد أطلقوا كثيرا من أسماء أعداء الإسلام على العموم والمغاربة على الخصوص، والتطوانيين بالأخص، كاسم الكردينال سيسنيروس الذي فر منه أجداد التطوانيين بدينهم، وأدونيل وﭙريم وباديا العباسي وألفاو وغيرهم.   م.ب (بنونه)

ولكن عهد الحماية الذي وقع فيه كل ذلك، قد انتهى وكأنه ما كان، وحول جل الأسماء الأجنبية بشوارع تطوان، إلى أسماء إسلامية عربية والحمد لله.

“فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. صدق ربنا الكريم.

وبعد فإن الأمانة تقضي بأن تكتب الحواديث التاريخية كما وقعت، وأعمال الناس وأقوالهم، يجب أن تسجل كما صدرت، ليعرف الأحياء أن التاريخ الحقيقي يحفظ الحسنات والسيئات، وإذا كانت هناك قلوب طيبة، ونوايا حسنة، – وهي ولاشك موجودة في كل زمان ومكان – فإن على أصحابها أن يمحوا ما يثير الضغائن والحزازات، ويملأ القلوب غيظا وحنقا، وأن يحولوا التباعد والجفاء، إلى تقارب وصفاء، لعل في ذلك إقلالا من الشر وإكثارا من الخير، ثم لكل واحد حريته في بلده ووطنه، “لكم دينكم ولي دين” ولك وطنك ولي وطني، وما أكثر ما في التاريخ من عبر لأولي الألباب.

(9)– لكن هذا الاحتمال – على وجاهته – تبعده الصورة الفتوغرافية للمطبعة المذكورة المنشورة في العدد الأول من مجلة الاتحاد الشهرية التي كانت تصدر بتطاون، والعدد الأول منها يحمل تاريخ شهر رمضان 1345 ففي هذه الصورة يظهر محراب، مما يدل على أن المطبعة كانت بأحد المساجد، ومسجد المشور هو جامع الباشا، ولا يبعد أن يكون جانب المحراب اتخذ للمطبعة في حين أن عامة المسجد كان للخزن، ويظهر بقرب المحراب أن هذا الجانب مفصول بالخشب، فلتراجع الصورة.   ت.و
 
 
 
 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.