سِرُّ الصدق - بريس تطوان - أخبار تطوان

سِرُّ الصدق

ما سر الصدق؟، و ما حكاية الصادقين في الحياة؟ إن السؤال مهم للمعرفة، و هو طريق ومسعى، وروح الفلسفة ووحيها. ما معنى أن نكون صادقين إذن؟ أين يكمن لغز هذه الصفة و العملة النادرة؟.

إن للصِّدق حضور قوي جدا في دين إنما جاء ثورة للتحرير، على يد سيد الخلق و معلم البشرية ومرشد الناس للخير والصلاح ، فقد ذُكر الصِّدق في مواضع كثيرة في كتاب الله تعالى، آيات كريمات تشير لأهمية هذه الخصلة الجليلة الحميدة، و أحاديث نبوية شريفة، لعل أبرز حديث في هذا الباب هو قوله صلى الله عليه وسلم ((إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدُق حتى يُكتَب عند الله صديقا)) ، لا بد من وقفة مع حديث قيل بصيغة “التأكيد”،أ لهذه الدرجة وصل إليها الصدق؟ فما موطن الصدق إذن؟

***

قد يكون للصدق موطنا في القلب، في السر، بين العبد وربه، و أساس الصدق كله ولُبِّه هو الصدق مع الله، بمعنى أنه نية، ولا يطلع على النوايا إلا الله، ((و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون)) سورة البقرة. هذا يؤكد بلا شك، عظمة حديث نبوي آخر في قمة الروعة، نحفظه جميعا و نردده، لكن لم نفهمه أبدا، قوله عليه الصلاة والسلام (( “إنما الأعمال بالنيات… إلى آخر الحديث “))، و في سياق هذا الكلام، أكد علماء النفس أنفسهم أهمية هذا الضلع؛ أي النية، في معرض حديثهم عن مثلث الشخصية الإنسانية (أفكار، عواطف، نيات) و دور الأخير في تحقيق شخصية سوية، متوازنة نظرا لتأثيره في الجانبين الآخرين: الأفكار و العواطف، أما اختلاله كقاعدة صلبة، فيعني بشكل حتمي تهشش الشخصية و اضطرابها، فأي عظمة لاحاديث النبي إذن؟ و هل قرأناها بوعي و بصيرة؟ أم أن التكرار المدرسي الآلي أفقدنا بصيرة الوعي؟!!

***

إن الصدق تصالح مع الذات الحقيقية ، وأول ما يجب في الصدق صدق النوايا!، أن نصدُق في :عمل، عبادة، لقاء، طلب علم، … كل ما يمارسه الإنسان في حياته، حتى أبسط المسائل و أصغرها!، يا لها من مهمة شاقة و متعبة أن نعيش صادقين ، فالصدق مجاهدة و مكابدة، صقل للذات، بحث عن المعدن الأصيل، وإزالة كل الطبقات المغشوشة، و ما دين الإسلام إلا خطاب من الداخل بهذا المعنى.
كل شيء محكوم عليه حسب طبيعة النية ( مال، زواج، طلب علم،….) فإن هي شريرة/مزيفة فهو شر مستطير و إن هي صادقة فخير كبير، فالنية الصادقة لوجهه تعالى هي المرجع و المعيار!.
أن نصدُق الله تعالى، معناه أن لا نُشركه مع أي شيء، باسم الوثنية الحديثة ( شهرة، جاه، سمعة، شهادات، شيخ، رئيس…) إنها وثنية حقيرة، دنيئة، لامرئية أكثر حقارة من أوثان القدامى لأنها تُفقد الإنسان أَصَالَتَهُ!

***

إن الصدق هو ما يجب أن يطلبه المرء من الله في الحياة كلها ويبتغيه، أن نعيش به وحده خالصا غير متجانس ، حتى لا نفسد لحظاتنا؛ في صباحنا و مسائنا، يقظتنا ونومنا، مولدنا وموتنا، دخولنا وخروجنا، مصداقا لقوله جل جلاله في كتابه المبين في سورة الإسراء ((وقل رب أدخلني مُدخل صدق و أخرجني مُخرج صدق و اجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا)) فصَدق الله العلي العظيم.
غياب الصدق هو حضور الزيف والكذب، وأسوء أنواع الكذب، الكذب على الذات، فلا أحد يستطيع أن يكذب عليك إلا نفسك، إن الكذب يعود “لصاحبه!!”بهذا المعنى.
لكي تعرف نفسك بنفسك كما قال سقراط، يجب أن تكون صادقا مع نفسك أولا، أما غير ذلك فتيهان في ظلام دامس.. و هوان للذات و تشتتها أمام مرآة منكسرة.

***

لا بد أن نبحث عن معاني الأشياء، أن نطرح السؤال لكي نعرف، فالجهل ينبوع الشرور كلها ورذيلة الرذائل، فاستيعاب حديث نبوي واحد أو برهان آيوي يكفي لفهم حقيقي للحياة، و عيش أصيل لها بالروح و المعنى و الحكمة.

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.