حكاية شوكولاتة "ماروخا" والأيام الحلوة بسبتة وتطوان - بريس تطوان - أخبار تطوان

حكاية شوكولاتة “ماروخا” والأيام الحلوة بسبتة وتطوان

بريس تطوان

بداية وبكل أمانة يجب أن نوضح للقراء، أن شوكولاتة “ماروخا” التي نتحدث عنها لا علاقة لها بهذه القطع المعروضة حاليا بالأسواق، والتي أصبحت تصنع بأحد مصانع الجزائر الشقيقة، وتدخل عبر ميناء الدار البيضاء، وهي “شوكولاتة” حينما تأكلها تشعر كأنك تبلع الصابون، بدون طعم ولا نكهة ولا مذاق.

إن شوكلاتة “ماروخا” التي ننفض عنها غبار الزمن في هذا المقال، كانت موجودة بمدينة تطوان العامرة، حاضرة شمال المغرب، في زمن الأشياء الحقيقية، في زمن الجودة والإتقان، وصناعة الأشياء الجميلة، قبل ظهور عقلية “تقامرات”، والغش، و اللهفة لتحقيق الربح السريع في كل شيء.

عود على بدء

تقول الحكاية؛ إن شوكولاطة “ماروخا” في عصرها الذهبي كانت تصنع فقط من “الكاكاو” الجيد والطبيعي، الخالي من المواد والمضافات الكيماوية، ذلك “الكاكاو” القادم على متن السفن الإسبانية العابرة للمحيط الأطلسي، والمبحرة من قارة أمريكا اللاتينية، حيث كانت الحضارات القديمة هناك، مثل حضارة “الأزتيك” هاته الأخيرة تشتهر بشجرة الكاكاو.

وكانت “شوكولاتة “ماروخا” تصنعها منذ أكثر من قرن من الزمن، وبشكل تقليدي عائلة تسكن بمدينة “سبتة”، تسمى عائلة “بوراس” بتشديد الضمة على حرف الراء، حيث اشتهرت هذه المقاولة العائلية، باستيراد المواد القادمة من المناطق الاستوائية مثل “الكاكاو” وحبوب القهوة.

واستنادا إلى شهادة “مانولو” وهو مواطن سبتاوي يروي لنا حكايته مع شوكلاتة “ماروخا” قائلا ؛ عندما كان عمري 7 سنوات، لم يكن المال وفيرا، وكانت شوكولاتة “ماروخا” تباع في الحوانيت والأكشاك بالقطع المجزأة، وكان ثمن كل أصبع من الشوكولاتة هو بسيطة اسبانية، وذلك قبل ظهور عملة “الأورو” الملعونة التي جلبت الغلاء الفاحش في كل أسعار المنتوجات.

“لا زلت أتذكر عندما كنا صغارا، حين نقضم عضة واحدة من شوكلاتة “ماروخا” حتى تنبعث رائحة” الكاكاو” الفواحة، فتزكم خياشيمنا وأنوفنا، نكهة “الكاكاو” الحقيقي، لأن “ماروخا” كانت تصنع من “الكاكاو” الخالص، حتى تقاوم حرارة الشمس، فلم تكن هناك ثلاجات ولا مواد حافظة، فوحده “الكاكاو” الطبيعي هو من كان يحافظ على “ماروخا” من التأكسد ويحميها من التلف، إضافة إلى ذلك، كانت القطعة تخرج من المصنع مرصوصة عن آخرها بحبات اللوز الكاملة، بالفعل كانت “شوكولاتة” بجودة عالية لم تعد متوفرة في عصرنا هذا، يقول مانولو وعلامات الآسى بادية على مُحياه.

تطوان و”ماروخا”

وبالعودة إلى تطوان عاصمة شمال المغرب، يمكن القول وبدون مبالغة، إن مدينة الحمامة البيضاء، ساهمت في بقاء هذه العلامة التجارية على قيد الحياة لفترة طويلة وساعدتها على مواجهة المنافسة الشرسة ضد الشركات العملاقة المنتجة للشوكولاطة، مثل “نستلي” السويسرية و”كادبوري” البريطانية وأنواع أخرى من الشوكولاطة الهولندية والبلجيكية والأمريكية.

لقد اتخدت “شوكولاطة” “ماروخا” من مدينة تطوان قاعدة تجارية لها، حيث منها انطلق ترويجها بمختلف مدن شمال المغرب، فكانت شوكولاطة “ماروخا” أشهر من نار على علم بمدن العرائش، القصر الكبير، الشاون، الحسيمة، والناظور، حتى أصبحت تشكل نوعا من الهوية البصرية للدكاكين والمحلات التجارية لشمال المغرب قبل الإستقلال وبعده بسنوات معدودات.

واستنادا إلى شهادات بعض الأشخاص الذين عاشوا تلك المرحلة الجميلة، فقد أكدوا لنا أن نفس “الشوكولاتة “التي كانت تباع في سبتة هي التي كانت تباع بتطوان، قبل ظهور الجمارك ومعبر “الديوانة”، ومخازن تزوير السلع بمنطقة “طاراخال”، ولم تكن “ماروخا” الحقيقية تصنع بمنطقة أخرى غير المصنع التقليدي الكائن بمدينة سبتة.

واشتهر التطوانيون والتطوانيات وأبناء الشمال عموما بولعهم الشديد بشوكولاتة “ماروخا” والتي كانت تباع في الدكاكين و أكشاك “اسطانكوس”، بالقطع، وكل قطعة كان ثمنها “بسيطة وخمس كبار” أي “ستة د البليون” بثمن ذلك العصر.
صحيح لا ننكر أن “الشوكولاتة” بصفة عامة، كانت تعتبر من الترف وليست في متناول جميع المغاربة، لكن ساكنة تطوان

والشمال كانوا أوفر حظا، بسبب عامل القرب من مصنع سبتة، وبفضل السعر المناسب لـ”ماروخا” جعل هذه “الشوكولاطة” في متناول جميع الشرائح الشعبية، بمختلف ربوع شمال المغرب، و بذلك خلقت نوعا من المساواة الاجتماعية للوصول إليها.
والدليل على ذلك أنه حتى أبناء الفقراء كانوا قادرين على شراء “ماروخا” مرتين في الشهر على الأقل، علاوة على أوقات المناسبات والأعياد، كالعيد الكبير والعيد الصغير، حيث كان من السهل عليهم توفير “ستة د البليون” لشراء قطعة لذيذة للتمتع بحلاوتها يوم العيد.

“ماروخا” والمهاجرون الأوائل

مرة أخرى تقول الحكاية؛ عندما وصل إلى دول شمال غرب أوروبا، الرعيل الأول من أبناء الجالية الشمالية الذين هاجروا من مدن تطوان والحسيمة والناظور والعرائش والشاون وباب تازة، ربما كانوا يتوقعون أن يجدوا جبالا من شوكولاطة “ماروخا “بتلك الدول، لكنهم فوجئوا أنهم لم يعثروا ولو على قطعة واحدة من “ماروخا” بمتاجر، بلاد الأراضي المنخفضة، وبلجيكا، وألمانيا وغيرها.

صحيح أن هؤلاء المهاجرين وجدوا أنواعا أخرى ومتعددة وربما نوع فاخر من الشوكلاطة بدول المهجر، لكن الحنين نحو الصبا وذكريات الوطن، ذلك الحنين ببلاد الغربة الذي صوره الشاعر العراقي الكبير “عبد الوهاب البياتي” مثل السكين الذي يعبر بين الضلوع، هو ما دفع هؤلاء المهاجرين البسطاء إلى البحث دائما عن شوكولاطة “ماروخا” المنتوج الذي ترعرعوا عليه منذ نعومة أظافرهم، غير آبهين بالشوكولاتة الفرنسية والهولندية وحتى البلجيكية.

وهكذا وعند انتهاء العطلة الصيفية أصبح المهاجرون المغاربة عندما يقفلون عائدين نحو بلدان الغربة كانوا ينقلون في سياراتهم إضافة إلى زيت الزيتون، والخليع، والسمن البلدي وحلويات “الكعاب” و”المحنشا” ، بعض العلب من شوكولاطة “ماروخا”.
وبقي الأمر على هذا الحال إلى أن تنبه بعض التجار وأصحاب الأسواق الممتازة الى هذه الظاهرة، أي عشق طائفة من الجالية المغربية لشوكولاطة “ماروخا “فعملوا على إدخالها إلى محلاتهم التجارية وهكذا انتشرت علامة “ماروخا” بدول هولندا وبلجيكا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، بفضل وجود مستهلكين أوفياء لها من أبناء منطقة شمال المغرب القاطنين بديار المهجر.

فعلا؛ لازال لحدود الآن يتم ترويج ما يسمى بشوكولاتة “ماروخا” بمختلف مدن المغرب، لكن بالنسبة لأهل تطوان والشمال، الذين تربوا على المذاق الأصيل، تبقى هذه الشوكلاتة العصرية مجرد نسخة مشوهة، لصورة زاهية، صورة كانت حاملة للعديد من المشاعر والرموز وذكريات الأيام الحلوة، تلك الأيام التي كانت تزيدها “ماروخا” حلاوة في الزمن الجميل.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.