"الجزر المغربية المتوسطية المحتلة" وبؤس البحث التاريخي الجامعي - بريس تطوان - أخبار تطوان

“الجزر المغربية المتوسطية المحتلة” وبؤس البحث التاريخي الجامعي

 

 
“الجزر المغربية المتوسطية المحتلة” وبؤس البحث التاريخي الجامعي

 
 ذ. محمد الشريف

 

صدر للدكتور إدريس الشلوشي، رئيس الجمعية المغربية لدكاترة وزارة التربية الوطنية، كتاب بعنوان: “الجزر المغربية المتوسطية (بادس، النكور، جزر ملوية، البرهان، ثاورة) 1799-1912م الغزو والمقاومة”[1]. والكتاب في أصله أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في التاريخ، ناقشها المؤلف بكلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس – ظهر المهراز، سنة 2003.

وقبل الاسترسال في عرض مضامين هذا الكتاب ومناقشتها، أعترف بأنني ترددت كثيرا في نشر هذه القراءة. إلا أن ترددي زال أمام قناعتي بأن تطوير البحث في تاريخنا لن يتم بمعزل عن المتابعة والمراجعة العلمية لما يُنشر. ومن الطبيعي ألا تحظى بالمراجعة سوى الكتب الجديرة فعلا بالاهتمام، على ضوء ما يتوافر بها من خصائص ومقومات إيجابية، إذ من العبث الاهتمام بكتاب لا تتوافر به الحد الأدنى من السمات الإيجابية. بيد أن مراجعة هذا الكتاب قد أتاحت لنا الفرصة للوقوف على المستوى العلمي لبعض الأطاريح الجامعية التي تناقش في الجامعة المغربية في الوقت الراهن.

يتناول الكتاب موضوعا تاريخيا له امتدادات قوية في واقعنا الراهن، بما أن المغرب لم يكُفّ في أي فترة من تاريخه عن السعي لاستكمال وحدته الترابية، والمطالبة باسترجاع ما بقي منها مبتورا، ومنها سبتة ومليلة والجزر المتوسطية التي سقطت بيد المستعمر الإسباني ابتداء من القرن الخامس عشر. إنه موضوع تتداخل فيه الاعتبارات السياسية والاقتصادية والدينية والجغرافية والاستراتيجية، ويستحضر تاريخ المغرب، وتاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط، وتاريخ الصراع الإسلامي المسيحي، وتاريخ التوسع الأوربي.

إن موضوعا بهذا العُمق، وبهذه التشعيبات، يستدعي ممن يقتحمه أن يكون متمرسا بأدوات البحث التاريخي وتقنياته، مُطلعا على مصادر الموضوع ومراجعه. فهل توفّرت العُدّة المعرفية والمنهجية لدى صاحب هذا الكتاب؟ وهل احترم أدنى مواصفات البحث التاريخي؟ ذاك ما سنقف عليه بعد استعراض فصول الكتاب ومحتوياته.

يروم صاحب الكتاب التعريف بالسياق التاريخي لاحتلال الجزر المغربية المتوسطية، ومكانتها في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، ودورها في بلورة المشروع الاستعماري للدولة الإسبانية، وانعكاس ذلك على الدولة والاقتصاد والمجتمع المغربي بصفة عامة، والمناطق الشمالية بصفة خاصة.

يضمّ الكتاب قسمين مهّد لهما المؤلف بمقدمة ومدخل يبْسط فيه الملامح العامة للصراع الأوربي المغربي في الحوض الغربي للمتوسط. يتناول القسم الأول “الغزو الإسباني للجزر والموانئ المغربية المتوسطية” ومراحله وأهدافه؛ وجاء في خمسة فصول. بينما خصّص القسم الثاني للحديث عن “المقاومة الوطنية للغزو”، بشقّيْها: الرسمي والشعبي؛  وهو يقع في فصلين.

يقسّم المؤلف سياسة الغزو الإسباني للجزر المغربية إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل سنة 1799م وقد طبعها سعْي إسبانيا إلى القضاء على الوجود الإسلامي بالأندلس، ونقْل المعركة إلى المغرب، واحتلال أجزاء من ترابه وجزره. ومرحلة ما بعد 1799، تعزّز خلالها دور الجُزر المحتلة، اقتصاديا وسياسيا، وأضحت “منطلقا للهجمات ضد الأهالي المجاورين الرافضين للتوسع” (ص 23). ويستعرض المؤلف – بسرعة وبكثير من السطحية – احتلال الثغور الشمالية (سبتة، ومليلية، وتطوان، وطنجة)، قبل أن يتطرّق للجزر المغربية التي احتُلت قبل سنة 1799 والسياق التاريخي لذلك الاحتلال: (جزيرة بادس 1564م – جزيرة النكور 1673)، وتلك التي سقطت بعد هذا التاريخ (جزر ملوية 1848 – ثاورة – البرهان 1848) (الفصل الأول)

ويتناول المؤلف في فصل ثان سياسة إسبانيا “للقضاء على البحرية المغربية”، سواء بتدمير قواعدها مباشرة، وبالاستيلاء على مراسي وجزر المغرب، أو عن طريق سعي الدول الأوربية لتعطيل الجهاد البحري (القرصنة) وتكبيل المغرب باتفاقيات تمنع ممارسة هذا النشاط تحت ذريعة عرقلته لحريّة الملاحة، انتهت بإجبار المغرب بوضع حد لنشاطه الرسمي الجهادي، تطبيقا لمقررات مؤتمر فيينا 1815 ومؤتمر إيكس لا شابيل 1818م.

ويستعرض المؤلف في الفصل الثالث ما سماه بـ “سياسة المناورة” التي لوّحت بها إسبانيا في عدة مناسبات، بتسليم الجُزر للمغرب، أو تدميرها، أو التخلي عنها ومغادرتها، مقابل الحصول على امتيازات تجارية وترابية وسياسية بديلة. ذلك أن إسبانيا فكرت في الانسحاب من بعض هذه الجزر ابتداء من سنة 1732 نظرا للمصاريف الباهضة لتكلفة الاحتلال. وظل ملف تسليم الجيوب المغربية مطروحا إلى ما بعد سنة 1830. ويستعرض المؤلف ما ورد ببعض التقارير الإسبانية الخاصة بهذا الموضوع، مستنتجا “أن المغرب كانت له مناسبة مواتية لتحرير هذه الجزر المحتلة، لو توفرت الشروط السياسية، خاصة فترة السلطان المولى سليمان حيث تُبودلت السفارات بين الجانبين في الموضوع” (ص 79)

ويتناول الفصل الرابع “الغزو التجاري” الذي مارسته إسبانيا للمغرب انطلاقا من الجزر المحتلة، حتى أضحت هذه الأخيرة “بوابة كبيرة لتعميق الهيمنة الاقتصادية على المغرب بطرق شرعية وغير شرعية” (ص 110). وقد كان لبعض المؤسسات الاقتصادية والجمعيات الإسبانية دور كبير في الضغط على الدولة الإسبانية للعمل على فتح الأسواق المغربية أمام الشركات الإسبانية، حتى أنه ابتداء من القرن التاسع عشر، لم تعد الجزر المغربية المحتلة قواعد عسكرية فحسب، بل أضحت أداة من أدوات الغزو التجاري للمغرب. ولم تكتف إسبانيا بتوطيد التعامل التجاري للجزر مع المغرب، بل مارست كذلك التهريب على نطاق واسع (الحبوب، والسلاح، والمعادن، السمك)، على الرغم من أن الاتفاقيات المبرمة بين البلدين كانت تمنعه.

ولتعزيز احتلالها للجزر المغربية منحتها اسبانيا وضعية “مناطق سيادة”، وعمدت إلى تأهيلها عبر تزويدها ببنيات إدارية وعمرانية وعسكرية وملاحية وسياسية، تستجيب لتوسع أنشطتها التجارية والاستيطانية المتنامية باطراد، وانتهى الأمر بأن رفعت إسبانيا أمام منافسيها من الدول الغربية، ورقة المطالبة بـ “حقوقها” وحماية “مصالحها التاريخية” بالمنطقة، لتبرر أحقيتها في فرض الحماية على شمال المغرب سنة 1912. (الفصل الخامس)
 

 
ولم يكن للمغاربة أن يستكينوا أمام الغزو الإسباني لأجزاء من وطنهم، فهبّوا لمقاومته، كما تشهد بذلك جهود سلاطين المغرب، سواء عبر التعبئة العسكرية أو العمل الدبلوماسي (الفصل السادس)، وكما جسّدت ذلك المقاومة الشعبية التي حملت لواءها القبائل المغربية والزوايا ( الخمليشية والريسونية خاصة)، وقادها أو أطّرها بعض العلماء (أمثال الشيخ ميمون المختار، القاضي محمد العزوزي، والمجاهد محمد أمزيان). بيد أن قوة المدّ الاستعماري، والتفاوت الكبير في الإمكانات المادية والعسكرية بين الطرفين، حكَم بالفشل على هذه المقاومة بشقيْها الرسمي والشعبي، لينتهي الأمر بفرض الحماية على المغرب سنة 1912. (الفصل السابع)

[1] – د. ادريس الشلوشي، الجزر المغربية المتوسطية (بادس، النكور، جزر ملوية، البرهان، ثاورة) 1799-1912م الغزو والمقاومة، مطبعة دار القلم، الرباط، 2012، 207ص
 
ملاحظات نقدية على الكتاب
لمتابعة القراءة يرجى الضغط على الزر أدناه للتحميل

 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.