الزجال التطواني سلام القريشي إبداع في ظلال الوطن - بريس تطوان - أخبار تطوان

الزجال التطواني سلام القريشي إبداع في ظلال الوطن

الزجال التطواني سلام القريشي إبداع في ظلال الوطن

 

بمقهى مشرفة على ساحة مولاي المهدي بتطوان في الليلة الثامنة من العشر الأواخر من رمضان وأصوات الناس قبالتنا جيئة وذهابا اكتظت بهم الساحة استعدادا ليوم العيد، مختلطا بهدير السيارات المتعالي، جلست مع الزجال سلام القريشي وبمعيتنا السيد امحمد خليفة منسق الشمال لدى رابطة الطريقة الجزولية بالمغرب.

سألت سلام القريشي، ماذا عساي أن أقدم للقراء عنك بعد صدور سيرتك الذاتية “في ظلال الوطن” هل قلت فيها كل شيء أم تركت الكثير مما يمكن قوله؟ أجابني بنبرة خافتة كعادته، بالطبع لم أقل فيها كل شيء لأن هناك الكثير من الجزئيات رأيت أنه من الأفضل عدم ذكرها، فبادرته بالقول: إذن هذه الجزئيات ستكون زادنا في هاته الجلسة، فما الذي دعاك إلى عدم ذكرها أهو التواضع؟ أجابني: ربما لكني احتراما للقارئ أحببت ألا أزج به في مثل تلك الجزئيات، وما سطرته “في ظلال الوطن” أعتبره كاف للقارئ الحصيف ومتكامل مع ما وضعته في كتاب”مظالم أوفقير”.

وقبل أن أزج بنفسي في لجة سيرة هذا الزجال طلبت منه أن يوقع لي  نسختي من سيرته الذاتية، فوقعها بعبارة إلى الأخ يوسف الحزيمري مع  بالغ التقدير وأنبل المشاعر تطوان في 06/08/2013م.

سيرة حياة في ظل القضايا الوطنية:

إنه سلام بن محمد بن عبد السلام القريشي من مواليد تطوان سنة 1946م تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة الزواق ومدرسة سيدي علي بركة والتعليم الثانوي بثانوية القاضي عياض، وفي سن الثامنة عشرة تشاء الأقدار أن يخطف منه والده وهو أحد رجالات الحركة الوطنية في تطوان وعموم الشمال في عز النهار زمن الجمر والرصاص، ، فيكرس  الشاب حياته ويجعل همه الأول استعادة والده ومعرفة مصيره والكشف عن المتورطين في عملية الاختطاف والاغتيال، وبسبب موقفه الشجاع مع الجنرال أوفقير سيودع الابن المعتقل سنة كاملة ويعذب من أجل ذلك بأبشع صور التعذيب وتفاصيل ذلك أودعها سلام القريشي في كتابه”مظالم أوفقير” وبالرغم من ذلك يقول: في عز المحنة وفي ظلام السجن، ظلت روحي الوطنية متقدة، موارة بالمشاعر، لم تنل منها سياط الجلادين، ولم يفت في عضدها التفنن في التعذيب والتحقير”.

بعد خروجه من السجن سنة 1966م سيلتحق سلام القريشي بالبحرية الملكية بتوصية من مولاي هاشم العلوي حيث سيقضي بها عامين ثم سيغادرها مهاجرا إلى المنفى الاختياري إلى الديار الأوربية هولندا تحديدا وهجرته هذه كما يقول:” لم يتحكم فيها هاجس البحث عن لقمة العيش، والرقي بوضعيتي الاجتماعية فقط، بل تحكمت في قرارها العديد من لتطلعات التي امتزج فيها ما هو ذاتي، يتعلق بالطموح الاجتماعي وما هو وطني يرتبط بالبحث عن مجال يتسم بالحرية لممارسة ما أومن به من مواقف، ومبادئ وخيارات سياسية”.

وطول مقامه بالديار الهولندية سينخرط سلام القريشي في العمل النقابي ضمن وداديات العمال المغاربة بهولندا وسيصبح عضوا نشيطا بها (رئيس نادي الجالية المغربية) وسيجعل من الدفاع عن إخوانه المهاجرين ومقدسات الوطن من استكمال الوحدة الترابية والعرش العلوي المجيد مناطا لكل تحركاته وهدفا لجميع أنشطته ذات البعد الفردي والجماعي، وهو ما عمل على تحقيقه ضمن عمله في صوت العمال المغاربة بإذاعة “هلبرسم” بهولندا مما سيجر عليه الكثير من الدسائس والمؤامرات وتعريض حياته للخطر والتهديد بالتصفية الجسدية ما استدعى أن يعود إلى الوطن سنة 1977م نزولا عند نصيحة سفير المملكة المغربية بهولندا، وعند عودته إلى المغرب سيعيش سلام القريشي أيام صعبة إلى أن يتم الاعتراف بمجهوداته  ومواقفه الوطنية ويدمج في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمدينة تطوان، وهو العمل الذي سيظل مزاولا له إلى حين تقاعده.

التجربة الزجلية لسلام القريشي:

هذه سيرة مجملة لمسيرة حياة سلام القريشي، ونعود إليه الآن لنسائله عن تجربته الزجلية، سيدي سلام متى أصابتكم لوثة الزجل؟ يجيب قائلا: “أصابني الولع بالشعر منذ كنت في المرحلة الثانوية من دراستي، وما زلت أتذكر كيف كنت أقول الزجل بشكل تلقائي، لدرجة أني اعتقدت فيها أن الزجل يقولني قبل أن أقوله”.

هذه الموهبة الزجلية التي حباه الله بها سيسخرها سلام القريشي في خدمة القضايا الوطنية وعلى رأسها قضية الصحراء حيث سيعمل على إعداد قصائد زجلية وملصقات يبعث بها إلى الديوان الملكي والأمم المتحدة وهي المبادرة التي ستلقى ترحيبا من الجميع.

يقول سلام القريشي: علاقتي بالإبداع الزجلي هي علاقة وطيدة يصعب انفصامها…. لقد تخليت عن كثير من هواياتي، بيد أني ما كنت أتخلى عن مكونين من المكونات التي تؤسس لحقيقة وعمق شخصيتي الإنسانية، وهذا المكونان هما:

أولا: تشبثي بالروح الوطنية الصادقة، وتجندي الدائم لخدمة مقدسات وطني الغالي.

ثانيا: استمراري في الإبداع الشعري، وجعل هذا الإبداع في خدمة المواقف والمبادئ التي أومن بها، وإذا كانت الروح الوطنية هي رئتي الأولى، فإن الكتابة الشعرية تمثل رئتي الثانية.

ربطت الزجال سلام القريشي علاقة صداقة حميمة بأمثاله من الزجالين بمدينة تطوان يتقاسمون فيما بينهم رغيف الزجل ويمتصون رحيقه وهم حسن المفتي ومالك بنونة وعبد الخالق اشتوي واحميدو مالك ومحمد حسن وعبد الغفور الفتوح، وللزجال مالك بنونة قصيدة في حق سلام القريشي كتبها له بعد إطلاعه على كتابه من “مظالم أوفقير”

وماذا عن الحركة الزجلية بمدينة تطوان كيف تراها؟ يجيب سلام القريشي، بمدينة تطوان مدرسة زجلية قائمة الأركان لها نواديها وروادها لكن في كل مدرسة يوجد محترفون ثم هواة ومبتدئون وما ينقص هذه المدرسة هو التأطير والأخذ بأيدي الهواة والمبتدئين للارتقاء بهم في سلم الزجل.

وماذا عن أعمالك الزجلية؟ يجيب: أصدرت إلى الآن ديوان “حديث الضمير” و”الوثبة الكبرى” و”البرهان”.

وزجالنا فائز بجائزة المهرجان الثاني للأغنية المغربية عن قصيدته الزجلية “صباح السعد”

وبالإضافة إلى الأعمال الشعرية الزجلية فإن لسلام القريشي مساهمة في الكتابة، فقد أصدر كتاب من “مظالم أوفقير” الذي ترجم إلى أربع لغات عالمية، ولديه كتاب “الأعيان” وهو قيد الطبع، ويشتغل الآن على عمل” القائد عمر لوقش المفترى عليه”.

ويلخص الزجال سلام القريشي تجربته الزجلية بقوله بأن الزجل ينبغي أن يكون في خدمة القضايا الوطنية. وهنا نستحضر قصيدته في لوحة بيرتوشي المسروقة ودوره الكبير في استرجاعها.

هذا هو سلام القريشي إذا أردنا أن نلخص سيرته في عبارات فيمكننا أن نقول على لسانه:”وطني أحب إلي مما تدعونني إليه”و”أغير مواقعي، لكن لا أغير مبادئي” و” لو لم أكن مغربيا لوددت أن أكون مغربيا”

هنا يودعنا سلام القريشي بقوله:

وتستمر مسيرتي في الحياة…

ومعها يستمر حلمي بمغرب أفضل…

مغرب لكل أبنائه…

مغرب لكل الشعب…

وتبقى كلمة…
 

د.يوسف الحزيمري
 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.