نظـــامـــــــان للتــرقيـــــم - بريس تطوان - أخبار تطوان

نظـــامـــــــان للتــرقيـــــم

 

      نظـــامـــــــان للتــرقيـــــم

   لقد ابتكر العرب في العصر العباسي نظامين عربيين للترقيم، هما الأرقام الهوائية، والأرقام الغبارية. وانتشر استعمال هذه الأرقام في الأقطار الإسلامية خلال القرن الثاني الهجري. وقد طوروها، وهذبوها، وأصلحوا كتابتها، وحسنوا أشكالها، فأصبحت آية من الإتقان والضبط والسهولة في الكتابة والقراءة، وفي هذين النظامين للأرقام استعمل الصفر الذي اشتق من دائرة ذات مركز في الوسط، وقد استعملت الدائرة لتكون الصفر في الأرقام الغبارية، أما الأرقام الهوائية فقد اتخذت النقطة المتواجدة في مركز الدائرة، لتعبر به عن الصفر.
 

   
وقد استعملت الأرقام الهوائية من قبل أبي الجبر والحساب العالم الإسلامي الجليل محمد بن موسى الخوارزمي في كتابه “حساب الجبر والمقابلة” في حوالي سنة 200 هـ (164/235هـ)، في عهد الخليفة المأمون، وقد سميت هذه الأرقام كذلك “الأرقام الهندية”، و”الأرقام الخوارزمية”، وهذه الأرقام هي نفسها المستعملة في المشرق العربي وبعض البلاد الإسلامية، أما الأرقام الغبارية فهي المستعملة في المغرب العربي وفي  الأندلس إبان الحكم الإسلامي، وقد انتقلت إلى أوربا والغرب عبر جبال البرنيز الإسبانية، ليطلق عليها هناك اسم”الأرقام العربية”  (Arabic Numbers)، لكنه مع الأسف الشديد يطلق عليها في المشرق العربي خطأ اسم “الأرقام الغربية أو الأرقام الإفرنجية”، ومهما يكن من أمر فإن النظامين المتبعين في المشرق والمغرب العربي يرجعان إلى أصول عربية واحدة، استعملت جميعها بإتقان ومعرفة تامة منذ النهضة العلمية للفكر الإسلامي.

 وقد سميت الأرقام الغبارية بهذا الاسم لأنها كانت تكتب في القديم على طاولة، أو على لوحة تكسوها طبقة خفيفة من الرمل، أما الأرقام الهوائية فقد سميت بهذا الاسم لأنها كانت تعد وتحسب في الذهن.

لابد من وقفة سريعة للتحدث عن مزايا الأرقام العربية، الغبارية منها والهوائية على حد سواء، فإن هذه الأرقام العربية مكونة من عشرة أشكال بسيطة ومنها الصفر، ويمكن تركيب وكتابة  أي عدد منها مهما كان كبيرا من هذه الأشكال العشرة، وهذه الميزة الطبيعية قد أعطت السبق للأرقام العربية على الأرقام الرومانية المكونة من أشكال وحروف عديدة، وكذلك على الأرقام اليونانية، وعلى العربية القديمة المرتبطة بحروف أبجد هوز في حساب الجمل، كما أن الأرقام العربية سهلة الاستعمال والتركيب والكتابة، ويمكن فهمها بسهولة تامة دون عناء أو صعوبة، كما أن طابعها المنطقي البسيط قد جعلها سهلة في التعليم، ميسرة للفهم، مطواعة، جميلة الشكل والتناسق، وهي صالحة للنظام العشري، ولجميع العمليات الحسابية والجبرية والرياضية التي لم يكن ممكنا القيام بها دون الأرقام العربية المبسطة.

 الأرقام العربية الغبارية مرتبطة بعلم الزوايا، فكل زاوية تمثل رقم العدد، فالرقم واحد يتكون من زاوية واحدة، والرقم اثنين يتكون من زاويتين، والرقم ثلاث يتكون من ثلاث زوايا، وهلم جرا، إلى أن نصل إلى العدد تسعة، وهو مكون من تسع زوايا، ولم يستعمل نظام الزوايا بالنسبة للصفر، بل استعملت الدائرة، لأنها ليست رقما أو عددا، وإنما هي مكونة من لاشيء والقصد من استعمالها هو للدلالة على موقع الفراغ بالنسبة للأرقام، ووضعها في الخانات الصحيحة، لتفرق بين الخانة الآحادية والعشرية والمئوية… إلخ.

 وقد أدخل العديد من التعديل والتجويد على الزوايا المختلفة للأرقام العربية الغبارية، فأصبحت بشكل مقبول متناسق، لاسيما بالنسبة للأرقام المكونة من مربعات، حيث حلت مكان الزوايا الاستدارة والدائرة، فأصبحت أكثر سهولة في الكتابة والتركيب والشكل.

 إن العديد من دول العالم تستعمل الأرقام العربية الغبارية، وتسميها باسمها الحقيقي الأصلي، وتنسبها إلى مصدرها (Arabic Numbers)، وهي بالنسبة للعالم المتطور المتحضر موضوع مسلم به، لا يمكن الاستغناء عنها، وليٍــس لــهــا بــديل، وهي لغة الحضارة والتقدم، وأساس العلم والتقنية المعاصرة. هذه الأرقام العربية الغبارية ما تزال

 بعض المصادر الأجنبية تخلط بينها وبين الأرقام الهندية القديمة، فتسميها الأرقام الهندية العربية، والواقع أن الأرقام الهندية تختلف اختلافا كاملا عن الأرقام العربية الغبارية المستعملة في المغرب، إلا أن هذه المصادر مصممة على استعمال هذه المعلومات الخاطئة، إما لعدم الإلمام والاطلاع، أو لأن هذه المصادر مأخوذة من المراجع الأوربية التي لم تنهج المنهج العلمي الدقيق في بحوثها عند الكتابة عن الأرقام العربية آنذاك.

تستعمل الأرقام العربية الغبارية في معظم بلدان العالم. كما تستعمل  الأرقام العربية الغبارية في اللغة العبرية الحديثة، واللغة الإغريقية الحديثة (اليونانية)، إلا أنه من المؤلم حقا أن نرى الوطن العربي منقسما على نفسه، فأقطار المغرب العربي تستعمل الغبارية، وأقطار المشرق العربي تستعمل الهوائية، ويقال إن هذا الاختلاف قد جعل دولة إسلامية عندما بدأت في التعريب الكامل تتحول من الأرقام الغبارية التي كانت مستعملة فيها إلى الأرقام الهوائية التي كانت تستعملها في السابق قبل التجديد، وكلها في الواقع أرقام عربية لا تحتاج إلى تبديل.

 لقد كان العرب المسلمون إبان النهضة العلمية أول من استفاد من علوم العصر وطورها، لكنها في وقتنا الحاضر نتحدث عن تكوين اللجان لدراسة الإمكانية والاستبيان بالنسبة لتوحيد الأرقام.

 لقد عرف الغرب فائدة الأرقام العربية الغبارية فاستعملها دون حرج أو شعور بالعيب أو تهاون، لكننا في المشرق العربي ما يزالون يطالبون الجامعة العربية أن تأتي وتحل لهم إبهام الأرقام العربية التي هي في الأصل جزء من حضارتنا والتي تستعمل على نطاق دولي عالمي. وقد قامت الجامعة العربية بتكليف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بإعداد دراسة ترمي إلى توحيد الأرقام العربية، ولم يستجب لهذا القرار إلا العراق وسوريا وليبيا، وعلى ما أعتقد في حدود ضيقة محدودة بالإضافة إلى المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا والصومال وجيبوتي.

 والواقع أننا نعيش الآن نهضة علمية تقنية فنية متقدمة متفتحة، يشكل  الرقم العربي الغباري مركزا رئيسيا فيها، كما أن علوم الحاسوب قد فجرت ثورة عارمة في عالم المعرفة، واستعمال الأرقام العربية الغبارية في هذا العصر أصبح مطلبا واقعيا علميا ملحا من أجل الأجيال القادمة، ليتمكنوا من الاستفادة، ومسايرة علوم العصر وتطوراته.

والله الموفق

15/01/2013

بقلم : محمد الشودري
 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.