قرأت لكم - بريس تطوان - أخبار تطوان

قرأت لكم

قرأت لكم                      عبد السلام بن عبد الوهاب

   
-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-

                          أرنولد توينبي

ARNOLD  JOSEPh TOYNBEE

 

 الإنسان الفيلسوف مؤرخ عملاق .. علم أجيالا وقضى حياته كلها يتعلم.

*  //  * /   *//   *// *

 هذا الاسم ليس بجديد علي . لقد سبق لي أن تعرفت عليه. وعلى نظرياته في أوائل الستينات من القرن الماضي عندما كنت طالبا في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الرباط  وفي ذلك التاريخ كان ما يزال على قيد الحياة.
 

 
فقد ولد في لندن في  14 ابريل 1889. وهو ينتمي إلى أسرة استقراطية ، فقد كان جده لأبيه جراحا مشهورا ، وكان عمه أرنولد الذي حمل اسمه من كبار المؤرخين الاقتصاديين، كما كان مصلحا اجتماعيا. وبالرغم من أن  أبواه كان اقل حظا رغم ما حصلا عليه من علم يؤهلهما لشغل مناصب مرموقة في الحياة العامة. فقد وجدا العزاء فيما حققه هذا الابن من نجاح . وبعد تخرجه من جامعة باليول بأكسفورد  عمل مدرسا للتاريخ من عام 1912 إلى 1915. ثم أستاذا للآداب واللغة اليونانية والتاريخ في جامعة لندن ، ثم أستاذا وباحثا للتاريخ الدولي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية ، واستعانت به الحكومة البريطانية مرتين خلال الحربين الأولى والثانية ، عندما اختير عضوا في الوفد البريطاني لمؤتمر السلام في باريس خلال عامي 1919 و1945 .

هذا العالم الكبير حضر إلي وأنا أتصفح ماعندي من كتب ومجلات في أبحاث ثلاث .

التقيت به في مجلة العربي عدد 208 لشهر مارس من سنة 1976. حيث خصص له الكاتب منير نصيف مقالا مطولا وخصصت له المجلة الكويتية موضوع شخصية الشهر.

ثم التقيت به في مجلة البينة (مجلة الرسالة الخالدة والثقافة المتحررة ) التي كانت تصدرها وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الإسلامية العدد الخامس من السنة الأولى، شهر ربيع الثاني 1382 شتنبر 1962 . في مقال كتبه هو شخصيا للبينة . وهي بالتالي اهتمت بما كتبه المؤرخ الإنجليزي الكبير ، فأعطته الأسبقية على كل الكتاب الذين يتولون الكتابة فيها مثل محمد الفاسي عميد الجامعة المغربية ، والأستاذ قاسم الزهيري ، ومحمد بنتاويت الطنجي … وغيرهم .

فمقاله جاء مباشرة بعد المقال الأول للأستاذ علال الفاسي. الذي كان في ذلك الوقت وزيرا للدولة في الحكومة السادسة مكلفا بالشؤون الإسلامية، وهذا إن ذل على شيء فإنما يدل على ما يحظى به هذا العالم من اعتبار في العالم وفي المغرب .

ثم وجدته كذلك في نفس المجلة (البينة)  العدد السابع منها لشهر شعبان 1382 . يناير 1963. في مقال للدكتور محمد هادي الحاج مير أستاذ التاريخ الحديث تحت عنوان مدرسة (توينبي التاريخية) ، وفي هذا العدد يقول الدكتور محمد هادي إنه تحدث في العدد الماضي من مجلة البينة عن بعض نواحي شخصية توينبي العلمية دون التعرض لفلسفته أي مدرسته التاريخية التي مضت عليها عدة أعوام ، وهي لاتزال موضوع دراسة ونقاش في الأوساط  العلمية .

 والآن سأعود إلى ما كتبه منير نصيف فهو يقول :

قالوا عن “توينبي ” لقد كان أفلاطون القرن العشرين فهو الذي أعادنا إلى المدينة الفاضلة أو الأرض المثالية. عندما دعا إلى قيام حكومة عالمية .

وقالوا عنه إنه أينشتاين الآداب .فهو الذي وضع دراسة التاريخ الذي صدر في اثنا عشر مجلدا. فقد نقل إلينا على صفحاته وبين سطوره صورا للحياة منذ أن كانت هناك حياة. ثم راح يطوف بنا وينقلنا إلى الحضارات وأصولها ويصف لنا بعد هذا العوامل المؤثرة في فكر المؤرخين وكتاباتهم.

لقد كانت “دراسة التاريخ ” رحلة ممتعة مليئة بالفكر والتأمل والعمق ولعلها كانت أطول وأعظم رحلة في تاريخ التاريخ .

                                             وللحديث بقية ….. يتبع  في الأسبوع القادم

إن رحلاته إلى الشرق الأدنى هي التي أعطته ذلك الشعور القوي بعدم دوام الحضارات … فقد كتب يقول في إحدى وقفاته وتأملاته هنا ترقد الحضارات الواحدة فوق الأخرى …القلاع المعابد… الآثار كلها في بقعة واحدة… حضارات فارسية ويونانية ورومانية وبيزنطية وفينيقية … ماذا ذابت هذه النظم السياسية الواحدة بعد الأخرى..؟.

ارنولد توينبي. إنه المؤرخ الفيلسوف العالم الذي كتب التاريخ كما لم يكتبه احد من قبله، وربما من بعده أيضا..الرجل الذي عاش حياته كلها في قلق على البشرية وما ينتظر ها من ويلات. الرجل الذي وقف يدافع عن الحق في شجاعة.فكان يقول كلمته ويمظى في طريقه  دون ان ينظر مرة واحدة وراءه، ودون أن يبالي بالحملات التي كثيرا ما تعرض لها بسبب تمسكه بالحق ودفاعه عن المظلوم…

قال يوما وهو يرى الشعوب المستعبدة تتململ وتصحو من نومها لتنفض عن نفسها غبار الرقاد الطويل: إن غطرسة الأوربيين في معاملتهم للشعوب المستعمرة،  في آسيا وإفريقيا تذكرني بتصرفات الأقلية تجاه طبقة البروليتاريا .. مع فارق بسيط. وهو أن افراد هذه الطبقة الكادحة بعيدون عن هؤلاء الأقلية. فهم خارج حدود بلادهم . لابد لنا من أن نغير موقفنا .لابد لنا أن نتعلم كيف نتواضع وكيف نتعامل مع هذه الشعوب على أساس من الأخوة والمحبة.

 لقد استطاع بفكره وعلمه أن يحل الكثير من أعقد المشاكل البشرية . واستطاع بشخصيته أن يعلمنا كيف يكون تواضع العلماء. وكيف تكون بساطة شخصياتهم . واستطاع بحديثه أن يضفي على شخصيته سحرا تلمسه في كل كلمة تخرج من شفتيه، وفي كل نظرة تراها في عينيه اللتين سجلا بهما في طوافه حول العالم، أروع قصص الحياة .في واحد من كتبه العديدة التي جمع فيها خواطره وتأملاته ودراسته. لقد حفلت سنوات توينبي الأخيرة من حياته بالإنتاج. فقدم لنا ” شخصيات عرفتها”” في عام 1967 واهتمام الإنسان بالموت في 1968 “ونصف العالم” الذي نقل إلينا فيه التاريخ الثقافي للصين واليابان في عام 1973 .

وغيرها من الكتب التي امتلأت بفلسفته و توغل فيها إلى أعماق نفسه وأعماق التاريخ

وتوينبي لم يبخل بفكره ورأيه على الصحف ، فقد كان يدرك أهمية الدور الذي تقوم به الصحافة في عالم اليوم ، ولكنه كان يتخير الصحيفة التي يخصها بنشر أفكاره على الناس .

فكتب لصحيفة الأوبزرفر وهي من أكثر الصحف البريطانية اتزانا وحرصا في بحثها على الحقيقة . لقد ظل تونيبي يكتب للأوبزرفر لمدة عشرين سنة متصلة … ولم يكن يتعب أو يمل حتى عندما تقدم به العمر وهدته الشيخوخة .كان ياتي إلى دار الصحيفة ، ويقدم لها ماسجله بقلمه عن الحضارات القديمة وعن إنسان ماقبل الميلاد .. وكيف كان يعيش ويكافح ويتعدب ويقاتل من اجل البقاء…

لقد مات توينبي وانتهت حياة هذا المؤرخ الكبير في الثاني والعشرين من شهر أكتوبر1975 عن 86 عاما. حافلة مليئة أوصلته إلى واحد من أعظم الرجال الذين أمسكوا بالقلم ليسجلوا التاريخ ويفلسفوه. ولكن نبوءته سوف تعيش وتتحقق من بعده… ولعل أعظم هذه النبوءات التي هزت أعداء العرب. هي تلك التي قال فيها

” أن إسرائيل لن تلبث أن تزول من تلقاء نفسها وسط هذا البحر من العرب الذي تحيط أمواجه بكل شواطئها… ذلك أن إسرائيل قد قامت على أساس فاسد غير سليم ، ولا يمكن أن تستمر على مدى التاريخ…

 قالت صحيفة الأوبزرفر وهي تنعي هذا الرجل الذي مضى يغدي قراءها بفكره تقول: حتى قبل نشوب حرب أكتوبر عام 1973… كتب توينبي محذر القراء من أن ميزان القوة سوف يميل لصالح دول الشرق الأوسط والدول الأسيوية.

وقد كان توينبي وقتها في عامه الثالث والثمانين… ولم تكد تنقضي اكثر من بضعة شهور على نشر هذه النبوءة حتى بدأ العالم كله يشعر بما توقعه..

ونحن اليوم في أوائل سنة 2013. نرى العالم والأزمات الإقتصادية تعصف بأكثر دوله التي كانت في بحبوحة من العيش الرغيد، بيد أن دول الشرق الأوسط ، السعودية ودول الخليج، والعراق كما كانت قبل تحطيمها، وليبيا قبل أن يستولي على خيراتها. رجل أحمق ويبعثر أموالها لتحرير الشعوب كما كان يتوقع. أما الدول الأسيوية تأتي في مقدممتها. الصين واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها فهي لا تحتاج إلى التعريف بها وهكذا تتحقق بنبوءات أرنولد توينبي،  ولله الأمر من قبل ومن بعد.

                   – وللحديث بقية…-


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.