اللصوص يطرقون الباب مرتين - بريس تطوان - أخبار تطوان

اللصوص يطرقون الباب مرتين

 
 
 
 
 
اللصوص يطرقون الباب مرتين
 

في البلدان الفاسدة سياسيا واقتصاديا، يتعرض الشعب للسرقة بطريقة واحدة، أي أن الناهبين يفرغون الصناديق ويجففون الميزانيات، فيتم انتظار أوقات أخرى في أمكنة أخرى للحصول على مال آخر وميزانيات أخرى. في المغرب، يتعرض الشعب للسرقة بطريقة مختلفة تماما. إنهم يسرقون الأموال والميزانيات، فتفرغ الصناديق، فيكون الشعب ملزما بالاقتطاع من قوته لتعويض الأموال المسروقة لكي يعود إليها اللصوص من جديد. هذا ما حدث بالضبط مع صندوق المقاصة، وهذا ما يحدث في صناديق كثيرة. وبما أن الصناديق كثيرة، فإن اللصوص كـُثر، وتضحيات الشعب أكثر. مشكلتنا أيضا تكمن في كون لصوصنا لهم ملامح مختلفة تماما؛ فكثير من الناس يتصورون اللصوص كما لو أنهم أشخاص يضعون أقنعة على وجوههم ويحملون «شْكارة» فوق ظهورهم ويجْرون هربا من البوليس، مثل تلك الصور التي كنا نراها في كتب المطالعة في طور التعليم الابتدائي؛ غير أن الصورة الحقيقية مختلفة تماما، لأن لصوصنا ظرفاء أكثر من اللازم.. إنهم مألوفون جدا لأنهم أصدقاء أعزاء لنا، نراهم في التلفزيون والجرائد والمناسبات الدينية والوطنية، ونصوّت عليهم في الانتخابات ونقبّلهم بالأحضان. ليسوا كلهم جهلة وأميين، بل كثيرون منهم حصلوا على أحسن الشهادات من أحسن الجامعات العالمية، وفيهم من يحملون لقب دكتور، ولو في العالم شهادة أكبر لحصلوا عليها. لصوصنا بيننا وبينهم ألفة عجيبة لأنهم هم الذين يدافعون عنا، فنراهم «يطيّرون» البصاق من أفواههم وهم يصرخون دفاعا عن الفقراء، وهم أحيانا يؤدون عن الناس ثمن العملية الجراحية أو يهدونهم كبش العيد. لصوصنا محسنون كبار، يأخذون منا الحياة ويعطوننا سبل النجاة من الموت. لكن اللصوص لا يمارسون سرقاتهم لوحدهم، بل عادة ما يكونون مصحوبين بمساعديهم، وهذا ما كنا نقرؤه في الروايات ونشاهده في الأفلام. ونحن عندما نتعرض للسرقة من اللصوص الصغار في الشارع فإن اللص الأول عادة ما يكون حاملا سيفا ويهدد، بينما اللص الآخر يقف إلى جانبه لمساعدته في حالة الطوارئ. لصوصنا المحترمون يعتمدون نفس الطريقة، ولهم مساعدوهم أيضا. من هم، إذن، مساعدو اللصوص عندنا؟ إنهم أشخاص مشهورون يسمون الشعب، يعني «احْنا» بالعربية تعرابت، ولن يجد اللصوص أفضل منا لكي ينفذوا سرقاتهم كما يريدون. نحن المغاربة أفضل من يطبق نظرية «المال السّايْب كيعلم السرقة»، لأننا نشتم اللص ونقول في غيابه «ولد لحْرام»، لكن لو ظهر أمامنا فجأة فإننا نبادر إلى تحيته، بل ربما إلى عناقه وتقبيله. نفعل ذلك بشكل لا إرادي لأن ثقافتنا الشعبية كرست فينا ضرورة احترام وتبجيل أصحاب المال، حتى لو وجدنا أيديهم داخل جيوبنا. نحن نـُقدّر من نعتقدهم أهم منا حتى لو فعلوا بنا الأعاجيب، بل ونضفي على أسمائهم صفات العظمة والأبهة. مثلا، هناك سلطان باع المغرب بالجملة والتقسيط وأخذ ثمنه نقدا، اسمه عبد الحفيظ، ونحن إلى اليوم نسميه «مولاي عبد الحفيظ». نحن الذين نبدو مثل فلاسفة عظام نحلل واقعنا السياسي في المقاهي والمنازل، بمجرد أن تأتي الانتخابات نهرع إلى التصويت مقابل حفنة من الدراهم، ثم نعود مباشرة لتحليل الأوضاع وشتم اللصوص الكبار والسياسيين الفاسدين والأحزاب المنافقة. اللص عادة ما يدخل منزلا واحدا لسرقته لمرة واحدة ثم يبحث عن منزل آخر، إلا في حالتنا نحن، لأنه يطرق بابنا مرة ومرتين، ولا يحتاج إلى الدخول من النافذة، بل نفتح له الباب، ونرشده إلى الأماكن التي ينبغي سرقتها، ثم نشكره ويذهب، وفي الغد نتظاهر بأننا اكتشفنا سرقة غادرة، فنندب حظنا ونشتم اللص، ونتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور. لو كنا شعبا يفتح عينيه جيدا على جيوبه لما حدث لنا كل هذا. لو كنا نعرف كيف نعض الأيدي التي تمتد إلى أرزاقنا لما تحولنا اليوم إلى أضحوكة في أيدي اللصوص. عموما، ورغم كل ذلك، يجب أن نعترف بأن المغرب بلد غني، غني جدا، هو أغنى من أمريكا وألمانيا والسعودية، لأنه على مدى 60 عاما واللصوص «يهْرفون» كل شيء، ومع ذلك فإن البلاد لا تزال واقفة أو، على الأقل، تبدو لنا واقفة.

عبد الله الدامون


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.