لا للغلو والتطرف - بريس تطوان - أخبار تطوان

لا للغلو والتطرف

لا للغلو والتطرف
منذ قويت عظامي واشتد عضدي وسمح لي بالخروج من المنزل للعب بالحي الشعبي الذي ازددت وترعرعت به، تعلمت أن صاحب الجلباب الأبيض واللحية المهذبة هو شخص وقور مسالم محترم يستدعي حين المرور من الزنقة التي نلعب بها التوقف عن اللعب وتقبيل يده.
أما فقيه الحي فحدث ولا حرج، فقد علمنا آباؤنا أنه إنسان عالم بأمور الدين والدنيا، يقدم خدمة جليلة للمجتمع ويعتبر مرجعا لسكان الحي في أمور دينهم ودنياهم.
الأجمل ما في الأمر أنني ما زلت أتذكر الوجوه البشوشة والمبتسمة بل حتى ألوان الجلابيب البسيطة والأنيقة التي كان يحملها بعض الفقهاء وحاملي كتاب الله، وهو زي يتميز أولا بطابعه المغربي وأناقته ونظافته ويزداد جمالا أيام الجمعة والأعياد والمناسبات الدينية.
ونحن أطفال كنا نفتخر بتقبيل أيادي فقهائنا ونعتبره واجبا اتجاههم، وهنا لابد أن أستذكر الوالد رحمه الله بلحيته البيضاء وجلبابه الأنيق البسيط وهو خارج من بيتنا في آخر الدرب وكيف كنا نصطف نحن الأطفال في انتظار مروره وتقبيل يده وكأننا في مشهد استقبال رسمي.
عبورا من فترة السبعينات إلى التسعينات بدأت تظهر بعض الظواهر الغريبة على الشباب الذي يسمي نفسه ملتزما، وأولى هذه الظواهر الزي أو اللباس الذي يرتدونه، فلا هو لباس مغربي ولا عربي ولا خليجي..، بل هندام أقرب إلى الزي التقليدي الأفغاني بخصوصيات وإضافات مغربية محلية، فتجد مثلا شاب بلحية بعيدة كل البعد عن التهذيب ويرتدي لباسا متكون من ست طوابق، الطابق الأول عبارة عن حذاء رياضي ذو ماركة أجنبية، الطابق الثاني جوارب رياضية، الطابق الثالث سروال فضفاض، الطابق الرابع قندورة قصيرة تحت الركبة بقليل، الطابق الخامس “جاكيت” غالبا ما يكون من الجلد، ثم الطابق السادس عبارة عن طربوش تقليدي مغربي. الأحلى ما في الأمر أن كل هذه الطوابق ألوانها مختلفة وأصلها يجمع بين ما هو مغربي وأفغاني وغربي.
ومن التسعينات إلى يومنا هذا ازدادت الظاهرة استفحالا وتجاوز الأمر من انتشار الزي الأفغاني إلى انتشار الأفكار وأغلبها متشددة يسعى حاملوها إلى وضع حواجز بينهم وبين بقية المجتمع، وهي حواجز تختلف في حدتها وتطرفها، هذه الظاهرة أرخت بظلالها على العلاقات المجتمعية وأفرزت اختلافا في طريقة الإحتفال بالمناسبات الإجتماعية والدينية وحتى في تشييع الجنائز.
الظاهرة استفحلت أكثر بعد نشوب ما يسمى بالثورات أو بالأحرى الانتكاسات العربية، حيث أصبحت الهجرة عنوانا للمرحلة بذريعة الجهاد في سبيل الله، فتجد أبا يترك أولاده بلا معيل، وابنا يترك والديه بدون سابق إنذار، وشابة تترك عائلتها وهكذا دواليك.

 
الأغرب ما في الأمر أن هؤلاء الجهاديين المتنقلين من مختلف أرجاء العالم وبمجرد وضع أقدامهم على أرض الجهاد يتم تقسيمهم على الطوائف والجماعات وكأنهم لاعبو كرة القدم يتم توزيعهم على الفرق المتنافسة، فتصير الحرب بين جهاديين يتصادف أحيانا أن يكونوا من نفس البلد، كل يقذف من جهته وينادي الله أكبر مدعين جميعهم أنهم الأحق والطرف الآخر مجرد عميل للصهاينة، متناسين أن السلاح واحد والممول واحد والمستفيد واحد.
هذه المفارقة الغريبة بين الدين الذي تلقينا مبادئه على يد آبائنا وفقهائنا وأساتذتنا والدين الذي استلهمه البعض من المتأسلمين التكفيريين العاملين لمختلف الأجندات والطوائف أفرزت انقساما وتطاحنا ثلاثي الأطراف، جزء منه إسلامي/ إسلامي، والجزء الآخر إسلامي/علماني، الجزء الأول يرتكز صراعه بالأساس حول من له الحق في حمل مشعل الإسلام، أما الجزء الثاني يرتكز حول تربص الطرف العلماني لزلات الإسلاميين حتى يظهروا حقدهم على عقيدة أجدادهم ونعتها بالأصولية والتطرف رافعين شعار الحريات المطلقة بدء من الإفطار العلني إلى المثلية وغيرها.
وهنا أشهد أنه لم يسبق لي مثلا أن قرأت أو شاهدت أو سمعت فكرا متطرفا صادرا عن عالم من جامعة القرويين أو الأزهر، كما لم يسبق لي أن قرأت دعوة صريحة للمجون أو مهاجمة للأديان من أي عالم غربي أو فيلسوف معروف، بل كل فتاوى التطرف أو التشدد أو الإلحاد صادرة غالبا عن أشباه متعلمين ومستوى إدراكهم المعرفي لا يتجاوز قراءة كتابين أو ثلاث من الكتب الصفراء.
ندائي إذن للأطراف جميعا بأن يتركونا وحالنا، فديننا الإسلامي الحنيف ليس في حاجة للمتشددين الذين يدعون حمل مشعله، وغني عن العلمانيين والملحدين الذين يتربصون به ويفتخرون بعدم الانتساب إليه.
إن المجرمين الذين ارتكبوا جريمة شمهروش لم يساهموا في التعريف بقيم الدين الإسلامي المرتكزة أساسا على السلم والتعايش والتآخي ومد يد العون، كما أن المتربصين بهذا الدين أيضا لن يستطيعوا النيل منه، وأنصحهم للتوجه إلى العمل في ميادين أخرى وأهمها دق ناقوس الخطر حول ارتفاع معدل الجهل والجريمة الناتجة عن تعاطي المخدرات والخمور وانتشار الدعارة والمثلية.
اللهم احفظ بلدنا من الغلو في الاتجاهين واكتب لأبنائنا الأمن والأمان والصلاح واتباع سنة آبائنا وأجدادنا.
سعيد ريان/ بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.