نحو رؤية سياحية مندمجة لمدينة المضيق - بريس تطوان - أخبار تطوان

نحو رؤية سياحية مندمجة لمدينة المضيق

نحو رؤية سياحية مندمجة لمدينة المضيق

  

بنظرة أولية على مخرجات البرنامج التنموي للجماعة الترابية للمضيق الممتد من السنة الجارية إلى متم سنة 2023، يستشف طابعه السائر نحو جعل مدينة المضيق قطبا سياحيا ذو جاذبية على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.

وحيث إن جغرافية المدينة وطابعها الجيوإيكولوجي ومجالها الترابي العام ينهل من عمق التنوع الذي تعرفه جهة طنجة تطوان الحسيمة بشكل عام؛ فللمضيق واجهة بحرية ساحرة تمتد على مسافة 18 كيلومتر، ينضاف إليها تنوع إيكولوجي هام يجد معينه من امتداد الأحزمة الخضراء شمالا وغربا باتجاه الجماعات الترابية المجاورة.
وإلى جانب هذه المميزات الطبيعية، تغوص مدينة المضيق في عمق تراثي عابقة جذوره في التاريخ، ولعل الطقوس الفلاحية والعادات التراثية الممزوجة بزرقة البحر وسحر الموروث اللامادي البارز في اللباس والأكل والمنتوج المحلي تشكل فسيفساء مجاليا وجب تثمينه في أفق جعله علامة ترابية مسجلة تحول المضيق إلى قطب سياحي تنافسي متميز. 

كيف يمكن إذن جعل المميزات السالف ذكرها علامة ترابية تحقق التسويق الترابي المنشود والرامي في البدء والمنتهى إلى رؤية سياحية مندمجة للمدينة تنحو نحو تنمية ينشدها المواطنون والمواطنات وتنعكس إيجابا على معيشهم اليومي؟

شكلت الواجهة البحرية للمضيق، في العقود الماضية، ميزة جذابة للترويج السياحي للمدينة، وقد تحولت إلى قبلة لمحبي الشمس والبحر من المغاربة والأجانب. لكن، ورغم أن الشاطئ شكل دوما مصدر جذب سياحي، إلا أنه بصم على دورة اقتصادية موسمية سرعان ما تنطفئ ليخفت توهج الرواج الاقتصادي المحلي بالمدينة.

 
فالطابع الموسمي للسياحة بالمضيق يطرح أكثر من سؤال حول مدى استغلال الفاعلين الاقتصاديين وصانعي القرار المحلي لما تزخر به المنطقة من مؤهلات طبيعية ومجالية يمكن استغلالها لتوسيع العرض السياحي وإطالة فترة الرواج الاقتصادي. وبغية تحقيق هذا المطلب يمكن تسجيل الاقتراحات التالية:

أولا: العمل الجاد والمستعجل لخلق مؤسسة “المجلس الإقليمي للسياحة” والذي سيعهد إليه بلورة رؤية مندمجة لتدبير قطاع السياحة بالمدينة، ووضع التصورات التشاركية لتوسيع العرض والزمن السياحيين. وحتى يتأتى تنزيل هذا الهدف فإنه ينبغي:

** إشراك الفاعلين المباشرين في تدبير قطاع السياحة وعلى رأسهم المهنيين والمنعشين وفعاليات المجتمع المدني لصياغة تصور تشاركي نابع من الإشكالات التي يواجهها القطاع، ونظرة هؤلاء لمعالجة هذه الإشكالات.

** تحقيق التنسيق والتلاقي بين مختلف المبادرات الرامية إلى إنعاش قطاع السياحة وخاصة بين برنامج عمل الجماعة الترابية وبرنامج تنمية مجلس العمالة من جهة، ومع برامج ومخططات وزارة السياحة من جهة أخرى، علاوة على خلق مناخ مناسب لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع وخاصة في شقه المتعلق بالسياحة الجبلية والإيكولوجية.

** العمل على تحريك عجلة الموانئ المتواجدة بالمجال الترابي للمدينة بما يجعلها تستقطب الرحلات البحرية من الدول المجاورة وخاصة من شمال المتوسط، عبر تعزيز العمل المشترك مع الوكالات المتخصصة في الأسفار وخلق المناخ الأمني والمؤسساتي الخاص بذلك.

** جعل مطار تطوان وسيلة متاحة للرفع من عدد الرحلات والخطوط بينه وبين المدن المغربية وكذا العواصم الأوربية.

ثانيا: العمل على خلق رؤية مشتركة بين جماعة المضيق ومجلس عمالة المضيق الفنيدق والجماعات الترابية المجاورة وخاصة ما يتميز منها بالطابع الجبلي (الجماعة الترابية عليين+ الملاليين)؛ حيث سيسمح هذا التلاقي بخلق سياحة جبلية في فصل الربيع تعتمد بالأساس على ما تزخر به المنطقة من أحزمة خضراء ومنتوجات مجالية وجب تثمينها وتسويقها.
ومن أجل ذلك ينبغي:

** تعزيز البنيات التحتية الأساسية بهذه المناطق الجبلية وخاصة ما يتعلق منها بشبكة الطرق والربط بالماء والكهرباء وتحسين الولوج.

** إشراك الساكنة المحلية لهذه المناطق في هذه الرؤية الرامية إلى تشجيع السياحة الجبلية، عبر تحفيزها على الانخراط في المشاريع الصغرى والمتوسطة الخاصة بالسياحة وخاصة بناء الدور والملاجئ السياحية المعتمدة بالأساس على الخصوصية المجالية لهذه المناطق وتشجيع المنتجات الفلاحية الطبيعية والإيكولوجية، مع إمكانية أن تلعب المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حجز الزاوية في تنزيل هذه الرؤية، عبر دعم المقاولة الذاتية والمشاريع المدرة للدخل.

** تثمين التراث اللامادي بهذه الدواوير وجعله رافعة أساسية للسياحة الجبلية بالمنطقة؛ وابراز العديد من المميزات المحلية التي يمكن اعتبارها علامة مميزة بالمنطقة وخاصة في بعض الطقوس الفلاحية والمنتوجات المجالية المعتمدة على الزراعة واللباس.

** الترافع من أجل جعل طقس “العنصرة”، باعتباره علامة لا مادية بارزة بالمنطقة، تراثا إنسانيا معترفا به من طرف الجهات المسؤولة وطنيا ودوليا؛ ولهذا الغرض فإنه ينبغي إحياء هذا الطقس وحمايته من الاندثار عن طريق جعله مناسبة سنوية قارة تساهم في إنعاش الدورة السياحية بالمدينة. وتشكل “العنصرة” مناسبة للاحتفال بانتهاء موسم الحصاد الفلاحي؛ حيث تنتقل الأسر من مختلف المداشير المجاورة إلى المضيق للاحتفال بانتهاء الحصاد وعرض منتوجاتها المجالية، إضافة إلى أنها تجسد طقس الاحتفال بركوب البحر في القوارب التقليدية على نغمات الطقطوقة والأهازيج الجبلية ومواويل النساء المعروفة ب “العيوع”.

** ضرورة انخراط المؤسسات الفندقية المتواجدة بمدينة المضيق في ترويج المنتوجات المجالية المعروفة بالمنطقة، عبر خلق أروقة وفضاءات للتسويق داخل هذه الفنادق، إضافة إلى إشراك المقاولين الشباب بالعالم القروي في هذه العملية من خلال ترويج منتجاتهم البيومجالية.

ثالثا: وضع برنامج مشترك بين كافة الفاعلين المؤسساتيين والمجتمع المدني بخصوص أجندة للتظاهرات الثقافية والفنية والرياضية المنظمة بالمدينة؛ حيث سيسمح توزيع هذه التظاهرات على طول فترات السنة بتمديد الزمن المخصص للسياحة بالمدينة.
ولعل المواعيد الثقافية والفنية والرياضية المبرمجة بالمدينة (المهرجان المتوسطي للشعر بالمضيق، الأسبوع الدولي البحري للمضيق، ملتقى المضيق الدولي للكتاب والمؤلف،…)، من طرف جمعيات محلية (بعضها رائد في مجاله) تشكل أرضية أولية وجب احتضانها ودعمها للارتقاء بجودتها ومن تم تعزيز مساهمتها في الرواج السياحي المحلي.  

كما يمكن بلورة مشروع مندمج كبير برؤية مشتركة يتمثل في قصر للمؤتمرات بالمدينة، وسيسمح هذا الفضاء باستقطاب التظاهرات الوطنية والدولية الكبرى، ستزيد من إشعاع المدينة وستعزز التنمية السياحية بالمنطقة بشكل عام، وفق ما يمكن تعريفه بالسياحة الثقافية وسياحة المؤتمرات.

رابعا: إدراج غابة كدية الطيفور منطقة طبيعية وإيكولوجية محمية وفق تصميم الساحل، المزمع صياغته في الفترة المقبلة، ومنع أي محاولة للسيطرة عليها وتحويلها إلى فضاء للبناء الإسمنتي. كما يمكن تثمين هذه المنطقة وجعلها مزارا إيكولوجيا مطلا على البحر، مع العمل على توفير الولوج إليه بما يضمن الحفاظ عليه كتراث لامادي مستدام. علاوة على إعادة النظر في التصور الخاص بالمشاريع المنجزة على طول الشريط الساحلي وخاصة قرب المحمية الطبيعية السابقة (مرجة أسمير) وتدارك النزيف الحاد الحاصل في استغلال الملك العمومي الطبيعي والبحري وإساءة استغلاله والسيطرة عليه. بغية جعل السياحة الإيكولوجية منفذا أخرا يمكن، من خلاله، توسيع الزمن السياحي بالمدينة.  

 

خامسا: وضع خطة للتواصل وتسويق المدينة على الصعيد الوطني والدولي عبر:

** خلق دليل سياحي للمدينة (متعدد اللغات) يضم مختلف البنيات والمرافق المتواجدة داخل مجالها الترابي.

** برمجة لقاءات تواصلية وندوات صحفية دولية واقتناء مساحات إشهارية بالمجلات العالمية المتخصصة من طرف أصحاب الوحدات الفندقية والمطاعم بغية الترويج للمنطقة.   
عماد أرجاز الشرفاوي

رئيس مصلحة الإعلام والتواصل بجماعة المضيق


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.