أفكار حول المشهد الإعلامي في تطاون - بريس تطوان - أخبار تطوان

أفكار حول المشهد الإعلامي في تطاون

رجع الصدى..أفكار  حول المشهد الإعلامي في تطاون

لبثت يوما أو بعض يوم أراقب المشهد الإعلامي في مدينتنا العامرة ، علي أدرك حظا من حقيقة مجرياته، و الحال أن تسارع و إيقاع الإصدار من مدينتنا ، يمنع المتأمل الحصيف من استصفاء فكرة مجملة، و إلحاق ذلك برأي فيها و اتباعه بموقف منها له أن يذكر أن الأمر يتعلق بصحوة إعلامية لها ضميرها الحي، و مغربها الشمالي، و جسرها القديم والجديد، و أنوارها الوهاجة، و صداها الطيب، ثم دفاترها الفصيلة تستمد من وهج الرواد و تضحياتهم ما يجاوز بها محيط المثبطات.

 

 ثم له أن يذكر أن الأمر يتعلق بتطور المشهد الإعلامي المواكب لحركية اللتطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي و السياسي ورسالة المنابر الصادرة في تطاون عكسه واضح الصوت و النبرة، مثلما كانت تصنعه منابر صحافية رائدة كانت تحسن التعبير عن الحدث و المعنى في هذه المدينة العامرة، و إن تهيأ للصادرة الآن من متاع تقني ما لم يتوفر للماضيات.

وله أن يذكر أيضا أن الأمر يتعلق بدكاكين إخبارية تعمل بمنطق تجاري محض، في غياب حس إعلامي واضح، أو مسؤولية أخلاقية محددة، غاياتها تحقيق بضع مكاسب مادية، و جني سبع امتيازات معنوية، مدعية صفة لا تليق بها، و متعالمة على أناس تتعيش من مشاكلهم له أن يذكر هذا و ذاك، و لكنه ينتهي في أعقاب كل ذلك، إلى سديميات من الأفكار، و هلامات من الآراء ، و هشاشات من المواقف، و ما ذلك إلا لأن قبيل ما ذكر لا يصمد أمام حجة الواقع و مقياس التاريخ و اقتضاء الضرورة فأن يتعلق الأمر بصحوة إعلامية ما أبعدها أن تكون، ليس لأنا ما زلنا رهنا للانحطاط الإعلامي، فهذا أمر يحسن عدم الخوض فيه، إذ حسبنا منه أنا لا نملك صحافيين بالاحتراف، و الحرية الصحافية حمامها الزاجل مقصوص الجناح، بل لأنا ما زلنا نتبع تقاليد الصحافة في الثلاثينيات على تميزها عهدئذ، و عليها نسير، و بوساطتها نسرد الخبر، و نعرض للحدث، و ننقل المشهد بعد وقوعه بسبعين سنة مما نعد والعتاب ليس على الآلة، و لا لقلة الإمكانات دائما، و إنما هو للعقلية التي بها نعمل، و هي عقلية تحسب أن العمل الصحافي محض وكالة إخبارية، و ليس فلسفة إعلامية قائمة الذات، وراسخة القدم في أرض التدبير الاستراتيجي و الرؤية الشمولية للعملية الإعلامية و علاقاتها بتداول الحياة في أبعادها المادية و الروحية ما نشهده كان يمكن أن يكون صحوة إعلامية لو عملنا له فلسفة في المسؤولية الحضارية، و من أظهر مظاهرها المسؤولية الإعلامية أما و لا فلا ثم أن يتعلق الأمر بتطور في المشهد الإعلامي، فهذا صحيح بقدر انطباقه على المحيط العالمي لتطاون.
و حيث أنا حكمنا باستمرار التقاليد الصحافية في الثلاثينيات في صحافتنا، فإنه لا ينطبق البتة عليها، و إن شهدت حركية تطور اجتماعي وثقافي وسياسي، فما ذلك إلا للأسوأ، و انظر أي منطقة للتنمية الاستعجالية للشمال هو، تعلم صحة دعوانا على أنه لا يصرفنا ذلك عن اعتبار أن بعض المنابر الصحافية في تطاون ما جاءت إلا للإحقاق حق أريد به الباطل، و تكسف مزاعم الذين تنادو بالتنمية الاستعجالية زورا و بهتانا. أما البقية الباقية، فيعلم أهلنا أية تعلة هي تعلنها للفيض و الصدور في ركاب ” التنقية”.

و أن يتعلق الأمر أخيرا بنشأة دكاكين إخبارية ، فهو الأمر الذي نقبله بقدر، و نرفضه بقدر، و نرى وزره يقع على ذزي القضية الإعلامية الوطنية، فهم الذين ذهلوا عن مولدها أنى كان، و عن نشأتها أين كانت و حين وقع ما وقع، لم ينهضوا برسالتهم المعهودة في كشف الزائف، وفضح المنتحل، و تعرية الإدعاء، ولبثوا طيلة الوقت يترفعون عن سفاسف الأمر، فإذا برجع الصدى الذي كان ينتظره من قبله على تطاون، رجع خافت، و هو إن علا، محض صداع، و إن صخب، محض خداع حتى إذا آتي من أتى و أراد التعرف على هذه الكينونة العامرة قوة و فتوة ، وجها خربة أكثر خرابا مما وجدها سيدي المنظري.

الأمر في نظرنا يقترب من هذا بالمجاز المأمول ، إلا في الأمر الثالث، و نعنى به أن كثرة المنابر الصحافية في مدينتنا ، قد تمثل بالمجاز صحوة إعلامية ما، و تطورا حثيثا في المشهد الإعلامي فيها، و هما معا، المأمول و المرتجى من وجودها في ربوعنا، باستثناء ما لا نأمل في وجوده، و لا نرتجي قيامه بين أظهرنا من دكاكين إخبارية شغالة بعواطف النميمة، و الغيبة، و سقط المتاع لكن بذات الأمر يبتعد كل من ذلك بالحقيقة و الضرورة، و نقصد بذلك أن هذه الكوكبة من الصحف التي تغطي زمان و مكان مدينتنا، تمثل استمرارا زمنيا للخط الصحافي الذي انطلق منه صدور أول صحيفة في تطاون، من جهة تقاليد العمل و الرؤية، و من جهة ظوبط العلاقة مع المخاطب الرسمي، إلا ما كان سابقا من حيثيات مغايرة عما هي عليه ، دون أن ترقى فتصبح جوهرية الطابع ، عميقة البعد.

لقد شهدت مدينتنا جملة تحولات قضت على ريادتها في كثير من الميادين، و همشت دورها في عدة مواقع، ومسخت هويتها في عديد من الميادين، و همشت دورها في عدة مواقع، و مسخت هويتها في عديد من الخصوصيات؛ هذا إلى آفات جديدة على صعيدها الاجتماعي والثقافي والنفسي كل هذا كان ينبغي أن تعكسه “الحياة” الصحافية، وتسلط عليه “الأنوار” وهج نورها ، حتى نسمع “صدى تطوان” ونعرف موقعها من “مغرب الشمال” ف “الضمير” المهني يقتضي ذلك، و القرن المقبل ينبغي أن يوضع له “الجسر” حتى يصل إلى آفاقه.

هذا و غيره هو ما كان ينبغي أن تنهض به تلك المنابر لتحقق انتمائها الوطني، وتستجيب لمسؤولياتها الحضارية، و تؤدي رسالتها الإعلامية و لكن المعضلة تكمن في أنا لسنا ندرك بعد أن الصحوة الإعلامية هي جزء من صحوة أشمل، هي الصحوة الحضارية، وهذه لاتنال حقائقها الفعلية إلا بتأصيلها فكريا و فلسفيا والعمل الإعلامي إذا لم يؤدى على شروط الوعي الحضاري العام، فيدرك هوية الذات، وشخصيتها الثقافية، و امتدادها في المكان والزمان والمعنى، و علاقاتها مع الآخر المغاير أو المماثل و مقاصدها الكونية إذا كان هذا العمل الإعلامي لا يؤدى على هذا الوجه، فلا يدرك أن تطاون وجود حضاري في الماضي، و مطلوب بلورتها في الحاضر والمستقبل، لها علاقات مع الانتماء الوطني، و عواطف الانتماء القومي، و مشاعر الانتماء الإنساني، إذا كان هذا العمل الإعلامي لا يؤدى على هذا الوجه فكيف يمكن أن ننتظر من المنابر التطاونية أن تعكس “صدى تطاون”، و تنقل وقائع “الحياة” فيها ، فضلا عن أن تكتب دفاترها، و هي غافلة عما يقوم هذه الكينونة التي تمضي إلى ماهيتها، و ما يقيم هذه الحركة التي ترنو إلى كمالها.

إن رجع الصدى رجع خافت إن لم تتسلح منابر تطاون، و هي تؤدي رسالتها الإعلامية، بالذخيرة الكافية من الوعي الحضاري العام بكينونة تطاون الماهوية، وهويتها الثقافية، و قيمتها المدنية، و دورها الوطني، و بعده الكوني و آنئذ قد يكون لدينا رجع لصدى تطاون كأفضل ما يكون الرجع قوة ووضوحا وفعالية و ديمومة، و بذلك نحدث نحن الناس صدقا إذا ذكرنا لهم أن تطاون عامرة كما أرادها سيدي المنظري يوما.

الدكتور محمد بلال أشمل

نقلا عن كتاب “تطاون العامرة، أفقا للتفكير”

تطوان 2002م


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.