لماذا يتم إقحام النيابة العامة في شؤون تدبير الجماعات الترابية؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

لماذا يتم إقحام النيابة العامة في شؤون تدبير الجماعات الترابية؟

لماذا يتم إقحام النيابة العامة في شؤون تدبير الجماعات الترابية؟

 

في البداية يجب أن نشدد أنه لا يختلف رأيان ولا يتناطح “عنزان” بلغة أهل الفقه، كون مؤسسة النيابة العامة، باعتبارها خصما شريفا وطرفا أساسيا في الدعوى العمومية، فلا حرج إطلاقا من تدخلها، في الجرائم المرتكبة من طرف المنتخب أو رئيس الجماعة، إذا تعلق الأمر بجرائم القتل وتجارة المخدرات والاتجار في البشر وغيرها.

 

إن المركز القانوني للمستشار الجماعي سواء كان عضوا أو رئيس مجلس، بصفته حاصلا على إنابة وتفويض من الساكنة، لا يحصنه بتاتا من الوقوع تحت طائلة بنود القانون الجنائي، وهذا أمر معمول به في كافة البلدان ذات التقاليد الديمقراطية العريقة والمؤسسات القوية.

 

لكن السؤال المثار والجدل المحتدم، هو حين يتم إقحام النيابة العامة، في أمور تقع في منطقة رمادية، ولصيقة بالتدبير الترابي والجماعاتي، مثل الرخص وسحبها وكل الأنشطة الإدارية الأخرى، باعتبار رئيس الجماعة هو الرئيس الأعلى للشرطة الادارية، والمسؤول الأول عن الصحة والسلامة العامة والتنظيم داخل دائرة نفوذه، لذا فمن الطبيعي جدا أن تصدر عنه قرارات لا تتوائم مع المصلحة الخاصة والشخصية للعديد من الأفراد واللوبيات.

 

بعبارة أو ضح، السؤال يصبح أكثر ملحاحية حين يتم إقحام النيابة العامة في ملفات وقضايا تجعلها تتقمص أدوار المفتش الإداري، والمدقق المالي، وشؤون المحاسبة والإفتحاص، وهي أمور مسندة بمقتضى ظهير التنظيم الجماعي لجهات ومؤسسات معلومة، منها  المجلس الأعلى للحسابات والقاضي الإداري علاوة على وزارة الداخلية والمالية .

 

وبناء عليه يمكن التساؤل؛ هل من الصائب قانونيا ومؤسساتيا وهل في صالح بناء دولة الحق والمؤسسات، (مؤسسات حرة تشتغل دون ضغط أو تهديد، وغير خاضعة لأي  نوع من أنواع الاكراه والابتزاز) إقحام النيابة العامة كخصم شريف، في نزاعات تتعلق بالتسيير الترابي والجماعاتي ودهاليز التدبير العمومي ومشاكله الشائكة  ؟

في معرض جوابه على هذا السؤال، أفاد أحد المستشارين الجماعيين بمجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، وبرلماني عن منطقة الشمال نتحفظ عن ذكر اسمه، أن عدة  رؤساء جماعات ترابية ،أصبحوا مؤخرا محل متابعات من طرف النيابة العامة، بناء على شكايات خاصة، تتعلق بالرخص وغيرها من أمور التدبير، الأمر الذي يلحق ضرار بالغا بصورة هؤلاء الرؤساء ،ويساهم في تدمير معنوياتهم، ويشوه صورتهم، ويقزم من أدوارهم.

“إن إقحام النيابة العامة بكيفية مستمرة وتعسفية، سينجم عنه في المستقبل، إضعاف المركز القانوني للمستشارين الجماعيين، وسيجعلهم مترددين وخائفين من اتخاذ بعض القرارات المهمة   لحماية الشيء العام  وأملاك المواطنين، وعاجزين عن الدفاع عن المصلحة العامة، علما أنه في جميع دول العالم، نجد هذه المراقبة منوطة بلجان الإفتحاص، والتفتيش سواء التابعة لوزارة الداخلية والمالية أو قضاة متخصصين في الحسابات والتدبير ” يقول المتحدث المذكور.

وفي نفس  السياق حذر رئيس جمعية رؤساء الجماعات الترابية بالمغرب “محمد بودرا” خلال اجتماعه الأخير مع رئيس الحكومة “سعد الدين العثماني، من مخاطر تفاقم وضعية، إقحام النيابة العامة في قضايا الشكايات الكيدية التي يتعرض لها المنتخبون النزهاء، الأمر الذي سيساهم في العزوف عن الترشيح، وتبخيس وضرب مصداقية العمل النيابي، في المقابل توضح الجمعية المذكورة أنها لا تطالب بالإفلات من العقاب بل بالعكس تشدد على ربط المسؤولية بالمحاسبة، لكن بواسطة آليات التفتيش المختص.

وبمراجعتنا الدقيقة للمقتضيات القانونية للدول ذات التقاليد الديمقراطية العريقة، والتجارب القانونية الفضلى في العالم، مثل  انجلترا ألمانيا والدانمارك  اسبانيا فرنسا والبرتغال، نجد أن أغلب تشريعات هذه الدول لا تتضمن سواء داخل نصوص قوانينها الجنائية و لاميثاق تنظيمها الجماعي ،”مقتضيات خاصة Dispositions particulieres بخصوص المسؤولية الجنائية للمنتخبين ورؤساء الجماعات الترابية.

والسبب يرجع في تقديرنا، إلى أن المشرع بتلك الدول كان واع بحجم الأعباء والتحديات الملقاة على عاتق ممثلي السكان، لذا فإنه كان حريصا جدا لمسألة ربط المسؤولية الجنائية للمنتخبين في حالات  خطيرة جدا، ولم يجعلها مطاطة تثار تلقائيا، أو تحت رحمة الشكايات الكيدية.

باختصار نعتبر أن إقحام مؤسسة  النيابة العامة كخصم شريف تحظى باحترام الجميع، وجرها إلى  حقل ألغام  السياسة ودهاليز التدبير الجماعاتي، سيؤدي وبدون شك إلى إرهاقها في المستقبل، خاصة اذا تناسلت الشكايات الكيدية، بسبب الجشع وعقلية الغنيمة وحب الاستفادة من دون وجه حق من ممتلكات الجماعة، وعقاراتها وأصولها والتي هي في الأصل أموال جميع المواطنين، حيث ستتحول مؤسسة القضاء الواقف، الى حلبة تكسير العظام بين مختلف الخصوم والفرقاء السياسيين ولوبي الريع، وهذا سيزيد من إضعاف وتدمير المؤسسات بهذا البلد الحبيب.
بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.