عندما نزجُّ المرأة في بئر عُقد المجتمع - بريس تطوان - أخبار تطوان

عندما نزجُّ المرأة في بئر عُقد المجتمع

 
عندما نزجُّ المرأة في بئر عُقد المجتمع
قبل أن أشرع في خط هذه السطور، أود أن أوضح أن ما سأكتبه لا أعمم به ولا أستثني به؛ فالعنف ضد المرأة ظاهرة متفشية إن لم تعشها أنت يبكيها غيرُك.. وعن الفئة الباكية سأتحدث.

وفي كل يوم عالمي للمرأة أو لمكافحة العنف ضدها، تجدنا نشجب ونندد ونردد الكلام نفسه، تختلف التعبيرات والكلمات حسب أحاسيسنا عند الكتابة، حسب حالة الطقس ودرجة الاحتراق من لهيب العنف، حسب توقعات الأبراج للظاهرة وواقع الظاهرة البعيد عن التوقعات.
العنف ضد المرأة -أو ما أسمّيه أنا: الزج بالمرأة في بئر عُقد المجتمع- حكاية نُسجت خيوطها منذ زمن ولّى، وما زالت تُغزل إلى يومنا هذا.

في قديم الزمان وفي عصر الجاهلية، كان المجتمع يضم المرأة إلى قائمة العار، فبمجرد ما كانت عيناها ترى النور تهم العائلة بوأدها ودفن النور معها، والتخلص من عبء وشؤم قد يأتي بهما قدماها.

استمر الظلم والسيادة دهراً طويلاً حتى جاء الإسلام وأنزل أحكاماً تكسر قيود النساء وتبعث الحرية في نفوسهن، تكرّمهن، تُعلي مكانتهن وتجعل منهن مثيلات للرجال.

وما أهانهنَّ إلا لئيمٌ، وما أكرمهن إلا كريم، فالنساء شقائق الرجال، “يَا أَيّهَا النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاءً وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً” [سورة النساء].

دليل كهذا كفيلٌ بإخراس أفواه تشدّقت وعَزَتْ تصرفاتها المسيئة إلى المرأة للشرع والإسلام، وكافٍ للتوضيح بالخط العريض أن إهانتها وتعنيفها أمر منبوذ دينياً ومرفوض.

عجلة الزمن تدور، وتتعاقب السنون على البسيطة ولا تزال المجتمعات تقبع في الجُحر الذي شُيِّد قبل التاريخ، تغزل خيوط الحكاية ذاتها وتَحيك حصائر وستائر شوكٍ تحجب أشعة الشمس عن المرأة وتعيق حركتها، دامية قدماها إن هي قررت الحركة.

العنف ضد المرأة، إرث بخْس توارثته الأجيال، حيث لا تسمع الأخيرة منذ نعومة أظافرها إلا ما يجعلها تابعة لا متبوعة، فتبدأ بتفضيل الأخ على الأخت حتى وإن كانت تكبره سناً، ثم التحرش في الشارع وبالمؤسسات، لينتهي بها المطاف مقموعة في بيت زوجها، فتظل تعاني ترسّبات الماضي وتعايش شتى أنواع العنف.

لا تسدل الستارة هنا؛ بل -وللأسف- نجد المرأة عينها تكرس الثقافة نفسها في نفوس أطفالها، وتلقِّنهم الأحكام نفسها، وتغرس في عقولهم فكرة دونية المرأة وسيادة الرجل. لهذا، لا أُرجع السبب إلى الرجل فحسب؛ بل أشمل المرأة أيضاً وأتهمها بتربية جيل غير متوازن يرجِّح كفة الذكر على الأنثى.
مريم كرودي/ بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.