الرقابة القضائية بعد الاستقلال - بريس تطوان - أخبار تطوان

الرقابة القضائية بعد الاستقلال

الرقابة القضائية بعد الاستقلال

خلق رحيل المستعمر الفرنسي في المغرب ورحيل مؤسساته ومنها محكمة الحسابات الفرنسية، فرعا قانونيا وتنظيميا على مستويات مختلفة خاصة على المستوى المالي، ذلك أن السلطات المغربية أمام استحالة خضوع مالية البلاد لرقابة الهيئات العليا الفرنسية لما في ذلك من مس بالسيادة الوطنية، وسعيا من المغرب إلى تكيس استقلاله الاقتصادي والمالي. بادر إلى تأسيس وزارة الاقتصاد الوطني و المالية بمقتضى ظهير يناير 1956 على غرار المديرية العامة للمالية المؤسسة على عهد الحماية، كما تم في المرحلة الثانية إنشاء الجهاز المركزي للمراقبة تجسد في ” اللجنة الوطنية للحسابات المحدث بظهير 14 أبريل 1960.[1] والتي أناطت بها المشرع مهمة إجراء المراقبة على حسابات العموميين فيما يتعلق بالنفقات العمومية، غير أن تجربة هذه اللجنة ما لبث أن فشلت لاعتبارات متعددة مما حدى من دورها وفعاليتها بالقيام بمهامها المحددة لها.

وأمام هذا الوضع كان لابد من التفكير في خلق جهاز مركزي أكثر فعالية واستقلالية يتوفر على الصفة والوسائل اللازمة التي تجعل منه جهازا التي تجعل منه جهاز أعلى للرقابة القضائية على المالية العمومية، وهو ما سيتم فعلا إحداثه ” المجلس الأعلى للحسابات ” أو آخر سنة 1979 ليحل محل” اللجنة الوطنية للحسابات.”

أولا: اللجنة الوطنية للحسابات:

كانت هذه اللجنة تعتب جهازا عالميا للمراتب المحاسبة، وقد عهد إليها تصفية حسابات المحاسبين العموميين التابعين للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية التي تكتسي صبغة إدارية.

كما أن اللجنة التي لم تكن ذات طابع قضائي خالص وإنما كانت تابعة لوزارة المالية،حيث كانت تشكل من مفتشين للمالية معينين من قبل وزير المالية، وكاتب دائم معين من قبل هذا الأخير ومختص بالشؤون الإدارية، والرئيس وحده هو الذي كان يتمتع بالاستقلالية حيث كان يتم تعيينه بظهير باقتراح[2]من وزير العدل.

وقد فشلت اللجنة المذكورة في تحقيق الأهداف التي أسست من أجلها بفعل عدة عوامل تشريعية و تنظيمية وبشرية ، منها بالأساس :

– محدودية اختصاصات اللجنة.

– غياب الاستقلال العضوي والوظيفي والمالي.

-عدة قدرة اللجنة على انفلات من قبضة وزارة المالية التي كانت تابعة لها إداريا وماليا.

وبالفعل عمد المغرب إلى إنشاء جهاز” المجلس العلى للحسابات”،[3] كنتيجة من جهة لضغوط البنك الدولي و المنظمات والهيئات المتخصصة الدولية منها والإقليمية، في منتصف السبعينات حيث كانت تؤكد على ضرورة ترشيد التسيير الإداري والمالي بالمغرب ، ومن جهة أخرى التزام الدولة المغربية بمسلسل دمقرطة المؤسسات الوطنية، الشيء الذي دفع المشرع إلى إحداث المجلس العلى للحسابات بموجب قانون رقم : 79-12 كهيئة قضائية مستقلة تتجاوز نواقص اللجنة الوطنية للحسابات.

ثانيا: إحداث المجلس الأعلى للحسابات

لقد كان الاستقلال هو الهاجس الأساسي الذي تغلب على اهتمامات أصحاب القرار في تأسيس المجلس الأعلى للحسابات، فكانت هذه الهيئات مكلفة بالمراقبة العليا على تنفيذ القوانين المالية وكذا المعاقبة على المخالفات التي تمس عمليات صف وقبض الأموال العامة، وكذا مراقبة أداء الأجهزة الخاضعة لمراقبتها مراقبة غير قضائية (إدارية)، وقد منح القانون 79-12 المؤسس للمجلس الأعلى للحسابات لأعضاء المجلس صفة قضاة معنيين بظهير ملكي ويخضعون لسلطة الملك، وبخصوص البناء التنظيمي للمجلس  فقد اشتم بالبنية الجماعية، وبوجود نيابة عامة يشف عليها وكيل العام للملك.

وقد خول القانون المؤسس للمجلس الأعلى للحسابات لهذه الأخيرة، ثلاث اختصاصات رئيسية وهي:

-اختصاص قضائي إزاء المحاسبين العموميين والمسيرين بحكم الواقع في مجال النظر في الحسابات.

-اختصاص قضائي أيضا في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية يمارس على المؤسسات المتصرفين الإداريين.

– تم اختصاصات إدارية تهم تقييم أداء الأجهزة العمومية الخاضعة لمراقبة المجلس.

يتضح من هذه الاختصاصات مدى انفتاح التجربة المغربية على التجارب الغربية خاصة المدرسة الفرنسية والأنكلوسكونية، غير أن ما تجدر الإشارة إليه أن نظام المراقبة العليا بالمغرب لم يختر اتجاه ثنائية محكمة الحسابات الفرنسية.[4]

وطيلة الفترة التي قضاها المجلس وإلى غاية سنة 1996 تميزت حصيلة عمله بالفشل لاعتبارات أهمها.

-وجود ثغرات قانونية في القانون المنظم للمجلس، وعمليا لم تبدأ دواليب القضاء المالي تتحرك وتشتغل وتصد أولى قراراتها القضائية إلا ابتداء من سنة 1988 .

-المحدودية على المستوى المؤسساتي والدستوري والبشري والمادي.

-الامتيازات التشريفية والفخرية.

-محدودية سوسيو ثقافية.

بالإضافة إلى معوقات أخرى تتعلق بمدى استقلالية المجلس عن السلطات العامة أو المؤسسات الإدارية، والمعوقات على مستوى علاقته مع المحيط الخارجي…[5]

ولقد نتج عن هذه الدسترة تحضير إصلاح جديد للرقابة المالية ، بصدور القانون قم 99-62 يتضمن مدونة المحاكم المالية، ثم تنفيذ بظهير بتاريخ 13 يونيو 2003 يواكب الإصلاحات الجديدة بقيادة جلالة الملك محمد السادس وقبل الرجوع إلى مضامين هذه المدونة، نذكر بمقتضيات الباب العاشر من الدستور 7 أكتوبر 1996 المتضمن للمجلس الأعلى للحسابات في الفصول (من 96 إلى 99).

ولقد حدد كل من الفصل (96) والفصل (97) اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات .

وحدد الفصل (98) اختصاصات المجالس الجهوية للحسابات وأحال الفصل (99) إلى القانون لتحديد الاختصاصات المجلس الأعلى للحسابات الواردة في الفصل (96) : ” يتولى المجلس الأعلى للحسابات الرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية.

ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصروفات الأجهزة الخاضعة لرقابة لمقتضى القانون، ويقيم كيفية قيامها بتدبير شؤونها، ويعاقب عند الاقتضاء على كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة.”

أما الفصل (97) فأضاف إلى تلك الاختصاصات الرقابية الاختصاصات التالية كما يلي:

” يبذل المجلس الأعلى للحسابات مساعدته للبرلمان والحكومة في الميادين التي تدخل في اختصاصاته بمقتضى القانون.

ويفع إلى الملك بيانا عن جميع الأعمال التي يقوم بها.” (الفصل97). أما اختصاصات المجالس الجهوية للحسابات فتم النص عليها في ( الفصل 98) من الدستور المذكور كما يلي:

“تتولى المجالس الجهوية للحسابات مراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها.

وتطبيقا، لمقتضيات تلك الفصول من دستو 7 أكتوبر 1996 صدر القانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية ، والذي يجع تنفيذه بالظهير الشريف رقم:124-02-1 الصادر في فاتح بيع الآخر 1423 ( 13 يونيو 2002) وبذلك تم جمع كل من المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات في المحاكم المالية.[6]

[1]بموجب ظهير 14 أبريل 1960 قم 279 -596-1.ج.ع.عدد 2478 ، بتاريخ : 22 أبريل 1960 .

[2]جمال السليماني :”دور المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات في تفعيل الرقابة العليا على الأموال العمومية بالمغرب ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، وجدة السنة الجامعية 1999 -2000 ص26.

[3]بمقتضى القانون رقم 79- 12 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 175 -79 -1 بتاريخ 22 شوال 1399 ( 14 شتمبر 1979).

[4]-عادلة الوردي :” رقابة المجلس الأعلى للحسابات” ، طبعة 2012 – مرجع سابق ص 47 .

[5]- عبد القادر بانية: ” الرقابة على النشاط الإداري ” الجزء الثاني طبعة 2011 ص ..33 .

[6]- عادلة الوردي:” رقابة المجلس الأعلى للحسابات ” طبعة 2012 مرجع السابق ص 48.
نور الدين الشاعر
إطار بالكلية القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.