لماذا غضب الملك على بنكيران؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

لماذا غضب الملك على بنكيران؟

 

لماذا غضب الملك على بنكيران؟
 
 
منذ تولي عبد الإله بنكيران منصب رئيس الحكومة في عام 2012، وهو يروج لوجود أشخاص أو نظام غير معلن داخل الدولة يحاربه، سماه بـ”العفاريت والتماسيح” و”الدولة العميقة” و”القلالش” و”علي قنديش” و”التحكم”.. حتى نزلت عليه مؤخرا غضبة ملكية ظهرت معالمها في النفور الذي كان بينهما في صلاة التهجد ليلة 27 رمضان المنصرم، وملامح بنكيران الكئيبة مؤخرا، وطريقة سلامه على الملك في حفل عيد العرش الأسبوع الماضي. ولكي نفهم سبب هذه الغضبة يجب أن نجيب بصراحة ووضوح عن الأسئلة التالية:1 – هل فعلا توجد دولة عميقة بالمغرب وما هي تركيبتها؟2 – هل فعلا تحارب تلك الدولة بنكيران؟3 – ما هي دولة المؤسسات التي يدعي بنكيران الدفاع عنها؟4 – هل توجد دولة عميقة في المغرب؟  دعونا نلقي نظرة على تركيبة الدولة المغربية، والهرم السلطوي في قمته شخص الملك، الذي يمنحه الدستور المغربي من السلط المعنوية والمادية ما يجعلنا نستغني عن استكمال أسفل الهرم! معنويا: هو أمير المومنين ممثل البلد الأسمى ورمز وحدة الأمة، بمعنى أن بيده السلطة الدينية كاملة، يقرر مرجعية البلد وتوجهه ويحدد الملك محمد السادس حاليا السرعة التي ينتقل بها البلد من الإسلام، كدين رسمي على أساسه لا زالت تستند بعض مساطر القانون الجنائي وبعض بنود مدونة الأسرة، نحو بلد علماني ستجتث كل تلك القوانين منه وتعوض بتوصيات أمريكية أوروبية، ويختار السرعة المناسبة كي لا يحس المواطن بهذا التغيير، وفي نفس الآن يخفف الضغط الخارجي ولا يزعزع سلطة إمارة المومنين. وهو الذي يرأس المجلس العلمي الأعلى، وينصّب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. وهو طبعا محاط بمستشارين من مقربيه ومن أصحاب التجربة داخل دواوين المخزن حافظين لتعدد وجوه المخزن، يثق فيهم وفي قدرتهم على تسيير هذه الازدواجية، وبالتالي فلا دخل لباقي المؤسسات المنتخبة في هذا الأمر، بل أن قوانين تقنين الإجهاض وتقنين الحشيش وغيرها لا تمر أبدا من داخل البرلمان ولا يد للحكومة فيها، إنما تمر من داخل مكاتب القصر وتخرج جاهزة.  هل كان بنكيران على غير علم بهذا الأمر عند توليه السلطة؟
طبعا كان يعلم وبايع الملك على السمع والطاعة والرضوخ لسلطة إمارة المومنين والاستكانة لأوامرها. وما كانت مرجعيته الإسلامية إلا دعاية في الحملة الانتخابية ولا زالت كذلك. إذن هل منعت سلطة الملك بنكيران من القيام بأي تعديلات في اتجاه أسلمة الدولة أو قوانينها أو مدوناتها؟ أبدا.. إذن ماذا بك يا بنكيران؟ لا أحد يعلم. الدستور يمنح الملك سلطة معنوية أخرى فهو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة، وبالتالي فهو رمز الاستقرار والوطنية، ولا يصح دستوريا أن يقول أحد إنه ضامن الاستقرار والسيادة ولولاه لغرق البلد في الفتنة. وحين يقول بنكيران إنه جاء لحماية البلد من رياح الربيع العربي كما قال رئيس شبيبة الحزب خالد البوقرعي، فإنهم هنا ينازعون الملك على سلطته المعنوية المتمثلة في أنه الضامن الوحيد لاستقرار وسيادة البلد. كما أن للملك أيضا سلطة معنوية وهي المصلح الأول بالمملكة، فلا يصح دستوريا أن يقول بنكيران إنه المصلح الوحيد محارب الفساد، وقد قالها الملك أيضا في خطاب العرش حين رفض أن تُستهلك عبارة محاربة الفساد، كما عبر عن استغرابه من الذين يشككون في سيرورة المؤسسات، وهو بنكيران طبعا، وبالتالي يشككون في سلطة الملك الساهر الأول على حسن سير المؤسسات الدستورية والحكم الأسمى بينها، بل أن الدستور يقول بأن الملك هو نفسه الدولة والمؤسسات، ضامن دوام الدولة واستمرارها، بمعنى أن الدولة ومؤسساتها تسقط دون الملك. وإلى هنا ينازع بنكيران الملك في ثلاث سُلَط معنوية: المسلم الأول (أمير المومنين)، والضامن للاستقرار، والمصلح الأول! وهو نزاع لا علاقة له بإصلاح أوضاع الشعب بقدر ما هو نزاع على الشعبية المبنية على الألقاب. أما النفوذ والسلطة فبنكيران يعلم أن الملك هو المؤسسات والملك هو التحكم. من يخوض هذه الحرب ضد بنكيران لحماية ألقاب وصفات الملك؟ لننزل أسفل الهرم بدرجة نحو المؤسسات. المؤسسة العسكرية يرأسها الملك، وتظل مؤسسة غامضة كتومة غير خاضعة للمراقبة ولا المحاسبة لا البرلمانية طبعا ولا حتى الإعلامية، فالمعلومات عن السلطوية والريع التي تتسرب عن جينرالاتها شحيحة، كما أنها مؤسسة حساسة وانتقادها يعني انتقاد حماة سيادة الدولة وحدودها. ولا يد لبنكيران على تلك المؤسسة لا من قريب ولا من بعيد، غير ما نُشر بداية ولايته الحكومية عن قرار تحصين العسكريين والأمنيين من المثول أمام لجنة تقصي الحقائق داخل البرلمان لمسائلتهم، ليكون بنكيران زاد في تمنيعها من المحاسبة وحماية ريعها.. شكرا بنكيران! 
إذن بنكيران عموما على علاقة جيدة بالمؤسسة العسكرية عدا إن كان داخلها أشخاص بعينهم لديهم حزازة من اللحية فهي ستكون مواقف فردية. وبالنسبة للباترونا والمستثمرين بالداخل والخارج، فإن الملك طبعا يعتبر المستثمر الأول بالمملكة وأغنى أغنيائها رغم ترتيبات الفوربز ماكازين المموَّلة لصرف النظر برفع الشعبي مرة وإنزال الصفريوي أخرى. واستطاع بنكيران أن يبقي علاقة جيدة معهم برضوخه لمطالب الباترونا وتنازله عن الدفاع عن الشغيلة وقد هنأه صندوق النقد الدولي على إصلاحاته. عدا وجود ليبراليين كارهين مرة أخرى لحزب بنكيران على أساس مرجعية غير مستساغة رغم أنها لا تسمن ولا تغني من جوع. أمّا المؤسسات المخابراتية الأمنية التي يرأسها الملك، سواء الخارجية أو الداخلية، ووزارة الداخلية التي يرأسها التكنوقراطي محمد حصاد.. هذه المؤسسات دورها أساسا حماية الملكية، شخص الملك وأسرته ومحيطه وسلطه ونفوذه، من المعارضين والمنتقدين داخليا وخارجيا بمراقبة نشاطاتهم ومحاربة الناشزين منهم ودحض أقوالهم إعلاميا، وذلك عبر اللوبيات والمؤسسات الخارجية، وعبر الجمعيات وأعوان الداخلية داخليا طبعا.. وبالتالي فهي تحارب ضمنيا أيضا من ينازع الملك سلطته الدينية أو الوطنية، أو سلطته السياسية. وهي على الأرجح أجندة معممة من داخل القصر من الملك ومستشاريه نحو أعوان هذه المؤسسات المعلوماتية الأمنية، والعكس صحيح، أي من تقارير هذه المؤسسات نحو القصر، ليُتفق إما على إسقاط حزب أو تحجيمه أو الإبقاء عليه، أو استبداله بحزب لا ينافس الملك سُلطَه ولا يهدد العرش. وبالتالي، وإن كانت هناك حرب على بنكيران وحزبه من طرف هذه المؤسسات.. فهي ليست حربا شخصية بقدر ما هي حرب من طرف الملك نفسه على حزب ينازعه ألقابه. 
إذن هل توجد دولة عميقة في المغرب؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نجيب على سؤال آخر: هل توجد أصلا دولة مؤسسات منتخبة؟ دعونا نلقي نظرة على المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية.الملك يملك دستوريا سلطة اختيار رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر الانتخابات التشريعية، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، وهو يرأس المجلس الوزاري ويمنحه التعليمات الكاملة في خطاب الشباب. وتُراقَب تنفيذ هذه التعليمات من طرف دواوين الملك ومستشاريه علي الهمة والطيب الفاسي الفهري وياسر الزناكي. كما أن للملك حق حل مجلس النواب، هذا المجلس الذي يتلقى تعليماته في خطاب افتتاح الدورات التشريعية ومن طرف مستشاري الملك. والملك هو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية ويوافق بظهير على تعيين القضاة وله حق العفو.. ويخضع القضاء أيضا للتعليمات السامية حين يتعلق الأمر بمسؤول، سواء باعتقاله أو متابعته أو تركه. كان بنكيران على علم تام بهذا الأمر قبل توليه سلطة رئاسة هذه المؤسسة المحكومة المسماة ظلما وعدوانا “حكومة”، وطيلة فترة ولايته عمل بنكيران على إرضاء القصر ومستشاريه والعسكر والأمن وصندوق النقد الدولي والباترونا ضد الشعب. ومرر كل الملفات في صالح النخبة الحاكم ضد الشعب ولن أكرر هنا تلك التفاصيل المملة عن إعلانه الصناديق المفلسة حين يتعلق الأمر بالمواطن، وإعلانه التعويضات الضخمة حين يتعلق الأمر بالمنتخبين، لنصير هنا أمام منتخبين هم أيضا غارقون في الريع، ما بالك بالمعينين؟
 فهل توجد مؤسسات منتخبة مستقلة في المغرب؟ لا.. الكل خاضع لتعليمات مستشاري الملك أي للملك. هل توجد دولة عميقة في المغرب؟ لا.. توجد سلطة ملكية وأذرعها واضحة دستوريا وافق عليها بنكيران قبل توليه السلطة. هل هناك من يحارب بنكيران اليوم؟ نعم، تحاربه أذرع الملكية حتى يكف عن منازعة الملك ألقابه، وليس سُلطه. فكما قلنا سلفا إنها حرب ألقاب فقط بغرض الشعبية وكسب الانتخابات، ومباشرة بعد تولي بنكيران الحكومة مرة أخرى سيعود إلى لعق أقدام البلاط.
 
 
 
مايسة سلامة الناجي/بريس تطوان
 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.