الإنتحار موضة العصر - بريس تطوان - أخبار تطوان

الإنتحار موضة العصر

 

الانتحار هواية أم اختيار؟

كثيرة هي القصص التي تدفع بالإنسان إلى الانتحار وقتل نفسه والذي يعتبرها أفضل وجهة يقصدها للتخلص من ما ضاقت به نفسه ليعبر عن ردة فعله بعد ضغوطات نفسية وربما اجتماعية تستهدفه لينتقل إلى العالم الأخر عالم الأموات.

الضغط يولد الانفجار ويرجع إلى اختلال التوازن بين الأمل واليأس بتغلب الأخير، ومن باب اليأس نفتح بابا أوسع يشمل ضعف الإيمان بالله والهروب من المشاكل منها النفسية والمادية ليصل الإنسان إلى الاكتئاب التي هو لسيق بالمجتمع الأحفوري، ولما يتراكم الاكتئاب يصل إلى درجة الرغبة في الخلاص وقتل النفس ويمكن القول بان قتل الآخرين (جرائم المجتمع) هو قتل النفس بطريقة غير مباشرة والذي يعتبر الانتحار الغير المباشر يعني موت إنسانية الإنسان فيصبح تابوتا بقدمين.

فيفضل الإنسان قتل نفسه بدل ارتكابه لجرائم أخرى في حق آخرين، كما يرى بعض الأخصائيين لهذه الظاهرة أن الإشكاليات التي تؤرق المجتمع المغربي والتي تتضاعف في صفوف مختلف الفئات العمرية في الآونة الأخيرة لأسباب وان اختلفت في طبيعتها تتوحد حتما في ثقلها وربما يعتبر الانتحار هو السبيل الوحيد للهروب من مجتمع يحمله مسؤولية ما يحصل.

الانتحار في المغرب هل يرجع إلى عقد نفسية أو رفض لواقع مجتمعي؟

مجمل التصريحات التي توصلنا إليها في هذا الموضوع، من قبل مختلف الفئات العمرية، يعبر فيها البعض عن الإجماع النسبي الذي يفيد أنها أسباب ترجع بالأساس إلى الافتقار للعدة المعنوية المتماسكة، والكفيلة بجعل الإنسان يحسن التأقلم مع مختلف المشاكل التي تتهدده في الحياة.

سألنا مجموعة من الشباب، عن الأسباب التي تدفع الفرد إلى الإقدام على هذا السلوك الذي أسماه البعض منهم “بالغير الواعي”، فكانت إجابة أحدهم على النهج الآتي”لا يجب أن نلقي اللوم دائما على المنتحر كونه يقدم على فعل جنوني، وننسى أن هناك من يلجأ لهذا السلوك إكراها وليس اختيارا، من قبيل البعض الذين يعانون من الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية، التي لا تنشأ من فراغ إنما قد تكون نتيجة التعرض في الصغر لصدمات أخفق الزمن في محوها، كالتعرض للاغتصاب مثلا، بغض النظر عن الاضطرابات التي تكون وراثية، كالانفصام أو الوسواس القهري الذي يتربع أساسا وراء انتحار المراهقين على وجه الخصوص.

وفي نفس الإطار دائما وبمعية ذات المجموعة من الشباب، تدخلت شابة عشرينية، باندفاعية كبيرة، ودون سابق إنذار يؤشر على رغبتها في تضمين رأيها، لتسلط بذلك الضوء على أهم عامل يؤجج الإشكالية بقولها، “قد تؤدي الصراعات الأسرية المتكررة، وبالأخص بين الوالدين، وأيضا عيش الطفل المراهق مع زوجة أب قاسية أو زوج أم قاس، وتعرضه للضرب والإيذاء والحرمان العاطفي..، إلى وقوعه في الاكتئاب ومن ثم التفكير في وضع حد لحياته”.

وأردفت نفس المتدخلة بقولها “إن الفقر أيضا يساهم وبحدة في تفاقم هذه الظاهرة، وليس الحديث يجري هنا عن الفقر المتوارث، إنما ذاك الذي يجنيه الشاب العاطل بعد تحصيل علمي استمر لسنوات تشهد عليه الشواهد التي حصل عليها، والتي ما أغنته في شيء سوى أن ألحقته بلائحة المعطلين”.

منظمة الصحة العالمية  كانت قد دقت ناقوس الخطر عن قلقها إلى أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إلى ارتفاع حالات الانتحار، خاصة بعد تفشي الظاهرة في الآونة الأخيرة في صفوف المعطلين، وأولئك الذين فقدوا مناصب عملهم لأسباب اقتصادية.

إن من بين الأسباب التي قد تؤدي إلى قتل النفس هو الفشل بمختلف أشكاله، كالفشل المادي المتمثل في عدم القدرة على سداد الديون، والتعرض للخسائر، إضافة للفشل الدراسي كما يتضح الأمر كلما اقتربت امتحانات الباكالوريا، أو عقب الإعلان عن النتائج ندرك حينها أننا سنكون على موعد غير مخلوف، مع الكثير من الضحايا من الشباب اليافعين الذين يأبون قبول الرسوب. ثم الفشل العاطفي والاجتماعي، وكذا المهني المتمثل في عدم القدرة على تأمين وظيفة كريمة والاجتهاد في ضمان الحفاظ عليها”.

وكذلك فقد سبق لأخصائيين مغاربة أن حذروا من غياب الأطباء النفسيين المتخصصين في علاج الأطفال بالمغرب، في ظل معلومات تفيد أن طفلا يبلغ من العمر 8 سنوات، يبدأ بالتفكير في الانتحار، وأيضا في ظل غياب الرعاية النفسية في المدرسة والمجتمع، الأمر الذي يترجم عدم حسم هذا الأخير في تبني ثقافة تعنى بالشأن النفسي.

تشير الدراسة نفسها إلى أن غير الأطفال والمراهقين من أصبح يتعرض لهذه الظاهرة بل فئات مسئولة منها موظفين أساتذة وأئمة…، كما وقع خلال هذه الأيام ببني ملال مثلا فهم الأكثر إقداما على الانتحار الآن، ربما هو الفصام العقلي والاكتئاب والكثير من الأمراض، وتبين الكثير من التقارير الدولية أن الانتحار يرجع إلى الكساد الاقتصادي الذي قد يؤدي إلى تغيير الأمور وانحرافها عن المسار الذي يتوقعه الناس، ما يدعوا إلى الإحباط وهو بالتأكيد أمر له تأثيره على زيادة معدل الانتحار.

ومن الحب ما قتل وهو من ابرز دوافع الانتحار بعد فقدانه، ومن القصص المؤثرة فعلا، والتي تستدعي الكثير من التأمل هي قصة مريم، الشابة التي تقطن بحي الأمل بمدينة تامسنا، تبلغ من العمر 19 سنة، أطلعنا أفراد من أسرتها على تفاصيل جد بليغة في الألم، هي فتاة اختارت بمحض إرادتها التخلي عن الدراسة لتلازم البيت.

 شاءت الأقدار بعد حين أن تتعرف على شاب يكبرها بست سنوات، كان يشتغل كحارس ليلي بإحدى الشركات، جمعت بينهما علاقة حب كبيرة في السر والخفاء طبعا ودون علم والديها على حد تعبير الأخت التي تكبرها سنا، “كانت ديما كتبغي غي السبة باش تخرج تشوفو” هذه كلمات تلفظت بها أسماء الأخت الأكبر لمريم، حسب تصريحات أخرى تبين أن الشاب واعدها بالزواج في عطلة الصيف المقبلة، غير أنه أخلفها الوعد، دون سابق إنذار، لم تتحمل فقررت أن تضع حينئذ حدا لحياتها، وألقت بنفسها من الطابق الثالث، إلى أن فارقت الحياة.
 
 
 
مليكة العرابي/ بريس تطوان
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.