مالنا والبشر ..!! - بريس تطوان - أخبار تطوان

مالنا والبشر ..!!

مالنا والبشر ..!!

 
مرة وأنا أعمل كمؤطر ديني مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في إحدى الدول الأوربية جمعتني جلسة إفطار متواضعة مع مسؤول كبير وغني من أغنياء الجالية المسلمة هناك.
 
كان كل شيء متواضع، كان الإفطار عبارة عن خبز عادي مع قطع من الجبنة البيضاء، وغيره مما طلبه من بيته. وخلال جلوسي معه خالجني شعور مزعج بالهيبة، حاولت افتتاح حوار معه ولكن شعور الهيبة كان يلجمني كثيرا، إلى أن تغلَّبتُ على نفسي وتمكنت من محاورته.
 
ما أزعجني حقيقة وغير مزاجي هو الحديث الشريف الذي خطر ببالي بعدها، “من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه” (حديث مرفوع ) فلَكَم ألوم نفسي على مجرد التردد في ابتداء الحوار، مجرد الهيبة، مجرد الرهبة التي لا أجد خمسها ولا حتى عشرها وأنا أقف بين يدي ملك الملوك عز وجل في الصلوات المكتوبة. كنت مسبقا وأنا في عملى اليومي يقول لي الزملاء: “هل رآك المدير؟؟، هل رآك فلان؟؟، حاول أن تسلم عليه، حاول أن تريه نفسك”.
 
وأتساءل مجددا كيف يترك الواحد منا فرصة لقائه بملك الملوك خمس مرات في اليوم والليلة من دون اكتراث، بل إننا ننام ملآى جفوننا في الثلث الأخير من الليل، والذي ينادي فيه رب الجلالة عبده لاجتماع مغلق، اجتماع تتعانق فيه روح العبد مع نداء خالقه ومولاه، وهو يقول: “من يدعوني فأستجيب له؟؟ من يسألني فأعطيه ؟؟ من يستغفرني فأغفر له..؟؟ نغفل عن هذا كله بينما لا نتأخر ولو لدقيقة واحدة عن اجتماع مع مخلوق ضعيف لا يملك من أمره شيء..؟؟
 
بل كيف يتفانى المرء منا في عمله سواء أكان موظفا أو عاملا لكي يحظى على رضى وتقدير مديره أو رئيسه، ولا يقدم معشار حرصه على تنفيذ أوامر ربه وخالقه ورازقه؟؟ وأكثر من ذلك، حينما يلتزم الموظف على ألا يقع في زلة واحدة أو خطأ واحد خشية أن يحسب عليه أو تؤخذ عنه صورة سلبية، بينما لا يكترث بعشرات النواهي والمعاصي التي بينه وبين رازقه الحقيقي (الله) جل اسمه وتقدست أسماؤه.
 
وما أشد ضعفنا حينما تنشرح صدورنا أمام كلمة (لا يهمك) مخلوق وضع الله في يده قدرا من المال، بينما لا نؤمن يقينا بقوله تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب” (سورة الطلاق ) وقوله سبحانه : ” يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم،هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض ” (سورة فاطر). روى الإمام البيهقي في كتابه شُعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أصبح محزونا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه، ومَنْ أصبح يشكو مصيبته فإنما يشكو ربه، ومَنْ خضع لغنيّ ووضع له نفسه إعظاما له وطمعا فيما قِبَلَهُ ذهب ثلثا مروءته وشطر دينه). اللهم أحسن تعلق قلوبنا بك، ولا تعلقها بأحد سواك.
 
 
ذ.محمد البردعي/ بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.