بين المواطن الشريف و المواطن الضعيف - بريس تطوان - أخبار تطوان

بين المواطن الشريف و المواطن الضعيف

 
 

بين المواطن الشريف و المواطن الضعيف

هناك حادثة ذات أبعاد عميقة وقعت في التاريخ الإسلامي، وهي لامرأة من سلالة شريفة، ذات حسب ونسب كما يقال، هذه المرأة اقترفت جريمة السرقة، لكن كما في الرواية أن الناس أهمهم أمرها؛ كيف يطبق عليها القانون مثلها مثل أي مواطن عادي في المجتمع؟!!

اجتمع الناس وأجمعوا أمرهم، وهو أن يقوموا بوساطة لدى الحاكم، بغرض العفو عن هذه المرأة الشريفة، لكن القاضي ليس أي قاض، فهو رسول الله، لذلك قالوا: من يجترئ عليه فيكلمه في هذا الأمر!؟ فكان الاتفاق على أن يكون الوسيط هو أسامة بن زيد، الحب بن الحب، فهو من أقرب المقربين للحاكم.

كانت الصدمة مساء، لما قام النبي على المنبر فخطب بكلماته القوية الواضحة، وبدلالاتها معانيها المضيئة النيرة، التي اخترقت الظلمات:(إنما أهلك الذين كانوا من قبلكم؛ أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

هذا هو العدل الذي قامت عليه الأرض والسماوات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة “والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان”، بل هذا هو التوحيد الذي لا تضر معه معصية، وهو أن يكون الناس كلهم سواسية، لا يعبدون إلا الله ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله.

لم يكن المشركون يجهلون معنى التوحيد، ولكنهم لم يكونوا ليرضوه منهجا يحكم حياتهم، ولهذا جاء في القرآن”أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب” إنهم كانوا يجعلون أنفسهم من جملة الآلهة التي تعبد في الأرض، لذلك قالوا للرسول: أما جعل الله رجلا غيرك ليرسله إلينا، وسجل القرآن حديثهم:”وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم”.

أما اليوم فما أكثر الناس ولو حرصت بمومنين، لأن الإيمان عندهم غيبي سماوي، أما قضايا الناس، وهموم المجتمعات، فهي فقط من الفروع التي فيها نقاش، وغير محسومة، وصدق الله العظيم إذ يقول:”وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون”.

يشركون إذ يفرقون بين الناس، ويميزون بينهم، ويقسمون المجتمع إلى طبقات وفئات شريفة ووضعية، أسياد وعبيد… يفعلون كل هذا وهم يعتقدون أنهم مؤمنون موحدون، يقعون في الخطيئة العظمى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

لذلك عندما يقول بعض المفكرين أو حتى غيرهم من الناس أن الإسلام مطبق في سويسرا والسويد أكثر مما هو مطبق في أغلب البلدان الإسلامية، فإنهم لم يجانبوا الصواب، لأن روح الدين ومقاصد الإسلام حاضرة في الغرب بصورة أفضل مما هي عندنا.

كتبت المستشرقة الألمانية زغريد هونكه كتابا بعنوان شمس العرب تسطع على الغرب، تحدثت فيه عن آثار الحضارة الإسلامية بعلومها وقيها على تقدم الغرب وتطوره، لكن الشمس قد أفلت عندنا لتشرق من مغربها، وتعود بلداننا إلى مرحلة ما قبل”إقرأ” إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مومنين.

 جمال اشطيبة
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.