رجل لا يشار إليه بالبنان.. - بريس تطوان - أخبار تطوان

رجل لا يشار إليه بالبنان..

 رجل لا يشار إليه بالبنان..

 
أنت رجل، إذا ظهرت في الناس، لم يشر إليك أحد منهم ببنان، ولا يهمس باسمك وأنت تمشي في الطريق إنسان. وأنت رجل لا يظهر اسمك في الصحف حيا.

وأنت رجل، إذا تنقلت في المدينة الكبيرة، لم تعرف رجلاك سبيلهما إلى السيارات أو إلى التاكسيات والترام دابتك إن يكن ترام، أو الحافلة المزدحمة إن تكن حافلة.

وأنت رجل إذا احتاج بيتك إلى اللحم ذهبت بنفسك إلى الجزار، أو إلى الخضر ذهبت بنفسك إلى الخضار. أو إلى البقالة ذهبت بنفسك إلى البقال. وحملت أنت كل ذلك إلى بيتك، لا يعترضك في الطريق وأنت تحمل ذلك من ينتقدك. فالذي تلقى، إما هو رجل يعرفك، فهو مثلك، أو لا يعرفك فقد قل اهتمامه بك. وأنت لا تعرف في أهل حيك الذي تعيش فيه وتتردد عليه، على الأكثر، غير صورة، أو على الأقل، اسما مبتورا.

وأنت رجل يعمل. وتجتهد في عملك. تخرج إليه باكرا، وتعود منه متأخرا، وقد أجزلته، حبا فيه أولا، فحبا في أدائه واجبا.

وأنت ترى أن الأجر الذي تأخذه إنما هو ثمن العمل، لذلك أنت توفيه، حتى لا تحس بأن فيما تقبض يداك من أجر شبهة من سرقة أو ريبة من إحسان.

وأنت على العمل الصادق، والأجر المصدوق، تفي بواجبات النفس، فأنت لا تزيد فتسرف، ولا تنقص فتجحف.

وأنت، مع واجبات النفس، تفي بواجبات الغير.

فأنت تفي بواجبات الزوج، حبا في الزيجة، واعترافا بالجميل.

وأنت تفي بواجبات البنين والبنات.

فأنت تطعمهم وتلتذ طعامهم، كأنما هو لفيك ذلك الطعام. وأنت تكسوهم، وتلتذ كسوتهم، فكأنما لجسمك هذا الكساء، وأنت ترشد، وأنت تهدي. وأنت تنفق في تعليم ما استطعت، وكل درهم يخرج من جيبك في سبيل هذه النفقة ترتاح إليه نفسك، لأنك به تؤمن حياة من يأتي، بمثل ما أمن حياتك أنت من مضى.

وأنت تنظر في صحبك، فتجد أكثر الصحاب من يقدر ويخون، أو من ينسى فلا يذكر، أو من يرتفع فتؤلم رقبته النظرة إلى أدنى. فلا يغيرك ذلك. وتحاول أنت دائما أن تكون الصاحب الوفي الذاكر الأمين.

وأنت تنظر في الملأ حولك، فتجد أكثر الناس تهدم، فتحاول أن تبنى، ولو كوخا من طين.

وتمضي الأيام وتنطوي السنون. فترى الذراع التي كانت طالت أخذت تقصر، والعضل الذي كان اشتد أخذ يضعف، والخطو الذي كان شديدا حديدا صار وئيدا. والبصر الذي كان يرى بعيدا، أصبح لا يرى إلا قريبا، فأقرب. والذي كان يرى صغيرا، أصبح لا يرى إلا كبيرا فأكبر.

وأنت، مع كل هذا، تظل على أملك، وعلى بشرك، وعلى بسمتك. تحيا يومك، ولا تبالي أن لا ترى لك غدا.

ثم يأتيك قضاء الله، وأنت لا تدري.

في حياتك لم يشر أحد إليك ببنان.

وفي مماتك لم يتسع لاسمك في صحيفة مكان.

وتمضي في الموكب الأبدي، شبحا بين أشباح تنظر أمامك فتجد عدد حصى الأرض من أمم كانت على الأرض سبقت، وتنظر خلفك، فتجد الموكب كل دقيقة يتجدد.

اقرأ كل هذا.

فإن كانت هذه صفتك، وهذا مزاجك، فأنت لا شك رجل سعيد.

-..-**-..-**

والله الموفق

2015-11-10

محمد الشودري


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.