الإحـــــــــــتـقان الشــــــــعبي - بريس تطوان - أخبار تطوان

الإحـــــــــــتـقان الشــــــــعبي

الإحـــــــــــتـقان الشــــــــعبي

في كل يوم سبت يخرج آلاف المواطنين في طنجة وتطوان من أحيائهم الشعبية والغنية والمتوسطة، يحملون شعارات لإسقاط شركات الاستعمار الجديد، التي هلكت جيوبهم عند أول كل شهر، في فواتير الماء والكهرباء، في منظر يذكر كل من رآه بمسيرات الحشود الشعبية في مصر وتونس وغيرها، بل حتى الشعارات تتشابه في عنوانها: الشعــــــــــب يريــــــد….

وإذا تطلعت في وجوه المتظاهرين ستلاحظ غضبا عارما وسخطا جامحا، واستعدادا لكل شيء، لم يكن يبدو تماما أيام تظاهرات 20 فبراير، بل حتى شبابا كانوا من أشد المدافعين عن الإستقرار وخطر التظاهر تحولوا إلى مدافعين على ضرورة التظاهر وإعلان الغضب لأنه أحس أنه مضحوك عليه، وهذه هي الحقيقة التي يسعى الجميع إلى تغليفها وطمسها والإلتواء عليها، لأننا نعيش في بلد بلا سياسة ولا أحزاب حقيقية ولا زعماء، وحتى الزعيم الذي توخينا فيه الأمل ومنحناه أصواتنا ليصير أول رئيس حكومة باختصاصات دستورية واسعة، ليدافع عن الإصلاح ويحارب الفساد في ظل الإستقرار تحول إلى قط ضعيف ورجل خنوع تكال إليه كل يوم كل أنواع الخيانة والإهانة والإحتقار من حلفائه ومن أشباح لا نراها، ولا يراد لنا أن نعرفها حتى لا نصاب بالصدمة.

إن الاحتقان الشعبي وغضب الشارع قد بلغ حدا ينذر بالخطر، ولا أدل على ذلك من أن شرارته خرجت من مدينتين يحظيان باهتمام مكثف من الدولة والحكومة، فما حال المدن والقرى التي لم يزرها أي مسئول سياسي أو حكومي منذ عهود.

لقد توالت الأخطاء السياسية إلى حد أصبح معه من الصعب إقناع المواطن بعدم التعبير عن سخطه وغضبه، فالشركات الأجنبية التي منحها هؤلاء السياسيين والمنتخبين حق امتصاص دماء المغاربة في كل شهر، قد تحولت إلى وحش لا يرحم، ولا يعبأ بأن غالبية المواطنين يعيشون في أزمة مالية خانقة، تتجلى واضحة في الأزقة والشوارع والدروب.

وأنت تتجول في الأسواق ستلاحظ كيف يسأل مواطن عن ثمن كيلوغرام من السمك، فيفجع بثمنه الباهظ ويقول اللهم هذا منكر ويتدحرج إلى الوراء، ليكتفي بشراء ربع كيلو من البطاطس عسى أن تسد رمق اليوم في انتظار أمل الغد الذي لم تأت بشائره.

وفي نفس السوق ترى وجوه الباعة من خضارين وحواتين وجزارين، وهي مكلومة بغلاء الأسعار وارتفاع فواتير الماء والكهرباء، ومصاريف الأبناء، والكل غاضب يريد حلا، ولا من مجيب يفهمهم ويتواصل معهم.

وعندما تخرج وتركب الطاكسي لينقلك إلى منزلك تسمع منه كيف أنه ظل يعمل من قبل طلوع الفجر إلى ما بعد الظهر، وفي لحظة سهو أمسك هاتفه، ليفاجئ بشرطي المرور يطالبه بغرامة إمساك الهاتف المحددة في 500 درهم، ليمنح له كل ما تعب من أجله طول اليوم، ويعود لزوجته وأبنائه مكسورا ومنهارا، يبكي حاله وظلم القانون والأيام والسياسيين والمنتخبين.

وعندما تتجول في الدروب والأزقة ترى الشباب بلا عمل ولا أمل ولا شئ سوى اليأس والعطالة، وهي تنظر إليك بأعين كلها عتاب ولوم وكأنها تقول لقد صدقناك حينما طالبتنا بعدم التظاهر أيام الحراك المغربي، وصدقناك عندما حكيت لنا أن المغرب سيتغير بعد التصويت بنعم على الدستور، وأن الأحزاب لن تعود كما هي، وأن الفساد سيندحر، وأن الزعماء سيتغيرون بشباب صادق، والاقتصاد سيزدهر، وتشيد المعامل والمصانع، لكن لا شيء تغير والأمل تحول إحباطا وغضبا أشد من ذي قبل.

فتهرب منهم خوفا على نفسك، لتعود إلى المحاكم فيصادفك رجل تحس أنه مظلوم، يحكي لك كيف فوجئ بحكم بالإفراغ لأنه تأخر في سداد أجرة الكراء الشهرية، وبجانبه أطفاله وزوجته ينظرون إليك بأعين متحسرة على ظلم الأيام وقسوتها.

وعندما تجوب المستشفيات ترى المرضى مكدسين فوق بعضهم، ينتظرون الطبيب وهم يفكرون فيما يمكن أن يكون مرضهم وليس معهم مال لشراء الدواء، ولا تغطية صحية لتقيهم شر السؤال.

وعندما تطل على المدارس تصدمك مشاهد الأطفال الفقراء، وهم محشورون في قسم صغير تشتد فيه الحرارة ورائحة العرق، وبينهم المعلم المسكين يطالبهم بالهدوء وهو يتصبب عرقا، ويفكر في أجرته الشهرية التي لم تعد تكفيه لأسبوع.

وفي خضم هذا الاحتقان، وهذه الأزمة، تطالعك أخبار السياسيين وزعماء الأحزاب، بعيدين عن كل هذا يتناقشون في صالوناتهم المكيفة عن المناصفة في الإرث، وحقوق الشواذ بالمغرب، وحق الإفطار العلني في رمضان، وهواتفهم منشغلة في مكائد الانتخابات والتحالفات، وحماية مصالح لوبيات الفساد، الذين ما إن يطردهم الشعب في الانتخابات حتى يعودوا إليه أقوى مما كانوا عليه قبلها.

إن في خروج الآلاف إلى الشارع في أغنى المدن المغربية للتظاهر ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء، عبرة يجب على الجميع أن يستلهم دروسها، وأول هذه الدروس هو أن الشارع غاضب من الجميع سياسيين واقتصاديين وجمعويين ومنتخبين، وهو مستعد للخروج والصراخ والتعبير عن غضبه لأي سبب، لأن ضغط الجراح والقهر الذي يتلقاه يوميا قد أتعب صبره، فإذا لم تستفق حكومة بنكيران وخفافيش الظلام وتعود إلى جادة الصواب فتحل أحزاب التحكم الفاسدة، وتسترجع الأموال المنهوبة، ويصلح التعليم والصحة والقضاء، ويخفف من الضرائب والغرامات، وتمنح الفرص للشباب أبناء الشعب، فإن الكارثة قادمة، ولن ينفع حينها خطاب الإستثناء المغربي، ولا خطاب الإصلاح في ظل الاستقرار، ولن ينفع حينها ندم.

اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.
 
 
******

المحامي إسحاق شارية
محام بهيأة الرباط
بريس تطوان
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.