أين الثروة؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

أين الثروة؟

 
أين الثروة؟
 
طلب الملك محمد السادس في خطاب يوليو 2014 الذي اشتهر بخطاب “أين الثروة” من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (نبيل عيوش الزين لي فيك عضو فيه)، أن يجمع بيانات حول الثروة المادية واللامادية بالمغرب بالتعاون مع البنك المركزي، “حتى يتسنى لجميع المغاربة الاستفادة من ثروة بلادهم”.

واستنكر الملك حسابات البنك الدولي ومعاييره في ترتيب المغرب في مجال الثروات والتنمية مذكرا بقدرات مغربية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، منها القدرة الخارقة للأمن المغربي على محاصرة الإرهاب عبر السماح للسلفيين الجهاديين بمغادرة المغرب نحو تركيا للجهاد في الدولة الإسلامية ثم عدم السماح لهم بالعودة (دخول الحمام ماشي بحال خروجو)، والقدرة الخارقة للمخابرات المغربية على تصويف (من الصوفية) ما تبقى من السلفيين الجهاديين داخل السجون بتعذيبهم بأنغام الموسيقى الروحية ثم إدماجهم في أحزاب من عهد البصري، والقدرة الخارقة لوزير الأوقاف احمد التوفيق على محاصرة التطرف عند ما تبقى من المغاربة مرتادي المساجد عبر تلطيف الأئمة وتكوين المرشدين والمرشدات المخزنيين والمخزنيات وتوزيعهم على مساجد إفريقيا، والقدرة الخارقة لسميرة سطيطيلة وباقي الإعلام المغربي على تمييع ما تبقى من المغاربة عبر المسلسلات المكسيكية.. هكذا نجحت خطة المغرب في منع الميول نحو فكر الدولة الإسلامية بقدراته الخارقة التي سماها الملك: الرأسمال اللامادي، والتي يبيعها الآن لجميع دول العالم.

ولكن.. إن كان المغرب قد نجح في تهذيب وتلطيف سلوكيات التطرف، إلا أنه لم يعالج بعد أسبابه.. كالعلاج الكيماوي الذي يقتل الخلايا السرطانية ويقتل معها الخلايا النافعة، لكنه لا يعالج المرض.. فيصل وقت يتكاثر المرض ويستعصي على الكيماوي السيطرة عليه. والسرطان اليوم هو نفس السؤال الذي طرحه الملك في خطابه منذ قرابة العام، والذي لم يجد له المغاربة إلى اليوم جوابا: أين الثروة؟ كيف وصلنا إلى هذه الطبقية في المغرب؟ كيف نعيش الفقر المدقع أمام الغنى الفاحش؟

دعوني لا أخوض هنا في أمر أموال أثرياء المغرب الذي يديرون شركات خاصة، بغض النظر عن الطريقة التي يجمعون بها أموالهم ويبيضونها بتلك الشركات في الواجهة، سواء كان اتجارا في الممنوعات أو رشاوى للحياز على رخص من الداخلية لاستغلال مقالع معادن ومقالع ثروات ومأذونيات الصيد في أعالي البحار لاستنفاذ الثروات السمكية الهائلة الغالية وأنواع لا يراها المغاربة إلا في قناة “ناشنل جيوڭرافيك”! دعوني لا أخوض في الذهب والكوبالت والفوسفاط والفضة والنيكل والليتيون ومقالع الصخر والرمال والبترول والغاز!!

أقرأ مساء خبر اكتشاف شركة “سايركل أويل” الإرلندية تدفق الغاز بأول بئر حفرت بلالة ميمونة بالمغرب، والتي ستحوز على نصيب %75 من العائدات، ثم أنزل صباحا إلى العشوائيات بين الوحل ومخلفات الصرف الصحي يعيش مواطنون مغاربة دون ماء ولا كهرباء بضواحي العاصمة بدوار يدعى “سي طيبي”، منذ أن وعدت الدولة ساكنيه بتحويله إلى مدينة متكاملة ما يقرب عن 18 عاما والمسكينة تجمع الدراهم بالحصالة ولم يكتمل المبلغ بعد!

دعوني أتحدث فقط عن ميزانيات يعرفها المغاربة رغم ضعفها، يظهر منها التوزيع الشنيع للثروة.. حين أشاهد مساء وزير السكن السيد نبيل بن عبد الله يقول أن خطة القضاء على دور الصفيح متوقفه بسبب تماطل البنوك في منح القروض للمواطنين، لأن سكان “برارك” هوامش مدينة سلا بالسهب المقطوعين من الماء والكهرباء  يلزمهم دفع 7 ملايين للدولة لتحصيل شقة من حجم علبة كبريت، نفس الدولة التي تدفع لوزير السكن وباقي الوزراء 7 ملايين راتبا شهريا إضافة إلى السكن الوظيفي بمائه وكهربائه بالمجان.

مجلس مدينة الدار البيضاء خصص ميزانية 29 مليار سنتيم لإصلاح ملعب محمد الخامس والداخلية حددت 30 مليون سنتيم مساعدة من الدولة للحملة الانتخابية لكل مترشح أو مترشحة لعضوية مجلس المستشارين ولم يجد لا مجلس المدينة ولا الداخلية بعد المال لإصلاح المساكن الآيلة للسقوط خاصة منها عمارات بوركون التي أودت بحياة مواطنين وعاد إليها الباقون دون أن يتم ترميمها.

دعوني أتحدث فقط عن رواتب رجالات الدولة مقابل من يبحث عن لقمته في القمامة، ومساكنهم وتنقلاتهم مقابل أطفال دون مستوصف ولا مدرسة.. لا نحتاج الغوص في أصحاب الثروات الضخمة الهائلة التي استنفذت أرض البلد، والبترول الذي وُجد، والثروات الحقيقية المنتهكة.. دعونا نمعن النظر فقط في كيفية تدبير الحكومة لميزانيتها، وحقيقة سياسة التقشف على جيب المفقرين والتبذير فيما بينهم! الثروة منهوبة من أسفل السلم إلى أعلاه! ولربما أول ناهبها هو المجلس الاقتصادي الاجتماعي نفسه، الذي مر العام ولم يقم بعمله.. ولم يعطي للشعب تقريرا ليجيب عن سؤال: أين الثروة!

عالجوا سبب الحقد الذي يترعرع في نفس الشعب بسبب عدوانكم على ثرواته.. ولن تحتاجوا الكثير من الأموال لتمييع توجهاته، لأنه إن سكن وأكل ودرس جيدا، سيكون شعبا يؤمن بالسلم والأمان دون أن تجهدوا أنفسكم لإقناعه بأن الاستبداد.. أرحم من الإرهاب!
 
 
 
مايسة سلامة الناجي/بريس تطوان
 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.