مصير العـالم بعد الحرب النووية الشاملة - بريس تطوان - أخبار تطوان

مصير العـالم بعد الحرب النووية الشاملة

 

مصيـــر العــالم

بعد الحرب النووية الشاملة

هل يكون الإنسان أول الهالكين.. والميكروبات أقوى الباقين، إذا جد على كوكبنا الأرضي ما يقلب موازين الحياة.. وهل يمكن تصور أن التطور الجديد لا مكان فيه لإنسان جديد..؟

              

 
لا يندرج ما نحن بصدد كتابته تحت ما أصبح يعرف (بالخيال العلمي) إنما هو تصور لما قد تصبح عليه صورة الحياة على الأرض إذا جـدّ على هذا الكوكب – لا قدر الله – ما يقلب الموازين القائمة الآن.. وقد نذكر القارئ بأن العلم لا يخلو أبدا من قدر من الخيال – كما أن الخيال فيه جانب من العلم – والعبرة هنا بمقدار ما في هذا وذاك من التزام بقواعد العلم المتعارف عليها، أو تحرر منها.

تخضع جميع الموجودات في هذا الكون الهائل لموازين ثابتة، لا تختل إلا في أضيق الحدود، وإن اختلت وقعت الكوارث، وقد يعظم شأن الكارثة في عرف الإنسان، غير أنها – بالغة ما بلغت من القسوة والضراوة – أهون من أن تشمل بأثرها الكون برمته، أو حتى جانبا ملموسا منه. بل هي تقتصر على الموضع الذي وقعت فيه، وسرعان ما يستقر الميزان على وضع جديد يتلاءم مع الواقع الجديد، وكأن شيئا لم يحدث في هذا الكون اللانهائي. نود أن نخلص من ذلك إلى أن الكون باق ومتزن، حتى لو انقرض الإنسان وبادت الأحياء جميعا، ودمرت الأرض تدميرا، وليس في نيتنا ولا في استطاعتنا أن نحصر كل ظواهر الاتزان في هذا الكون الهائل، وإذا كان ينتظر منا أن نسجل ولو مثالا واحدا هنا، فلنقرأ معا قول العزيز الحكيم: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشّمْس يَنـْبَغي لـَهَا أنْ تُدرك القـَمر ولا الليْل سَابق النـّهار وَكُل في فلك يسْبَحون”.[يس: 40] وما  يعنينا هنا هو أن نتناول بشيء من الإفاضة (ميزان الأحياء) على الأرض.

تعمر أحياء الأرض، ما يعرف (بالغلاف الحيوي) الذي لا يقتصر على سطح اليابسة، وإنما يشمل أيضا الغلاف الجوي المحيط بالأرض، والمسطحات المائية، ويمتد في عمق التربة، وقد يعجب القارئ إذا ذكرنا أن أعداد الأفراد الحية التي تعيش تحت سطح التربة، تفوق بمراحل أعداد الأفراد الحية فوق سطح الأرض.

يتربع الإنسان وحده على قمة سلم التطور، وهو أحدث ظاهرة حية على كوكب الأرض، ولقد نشأت الحياة على سطح الأرض منذ عدة آلاف الملايين من السنين. ولكن الإنسان لم يظهر إلا منذ فترة لا تتجاوز في معظم التقديرات مليونا واحدا فقط من السنين. ولأن الإنسان أحدث الأحياء، وجب أن يتحلى بأكمل الصفات بين الأحياء من ناحية الشكل والتركيب التشريحي والصفات الذهنية والنفسية. فالذي خلقه سبحانه وتعالى جعل فيه ميزات الأحياء التي سبقته في الخلق وزاد عليها – وهذه هي عبرة التطور. وصدق الله العظيم إذ يقول: لَقَدْ خلَقنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقوِيمٍ”. [العلق:4]

ويحيا على سطح الأرض اليوم حوالي 7.2 مليار نسمة، يشكلون جانبا هاما في ميزان الأحياء – ليس بسبب وفرة العدد – ولكن بسبب قدرة الإنسان الكبيرة على التغيير من خلال العقل الذي يميزه عن شتى الأحياء الأخرى. وعلى الرغم من أن مشاكل الانفجار السكاني البشري قد أصبحت تمثل بحق تهديدا كبيرا للإنسان نفسه، قد يؤدي يوما ما إلى إيقاف نموه، إلا أن هذه الزيادة لا تمثل إخلالا محسوسا بميزان الأحياء على الأرض. فنصيب الإنسان في هذا الميزان من الناحية العددية مازال متواضعا للغاية، إذا قورن بالأحياء الأخرى خصوصا الدنيا منها.

 

 
أما الميكروبات فهي تقبع عند القاع من سلم التطور، وتمثل أوائل الأحياء التي نشأت على الأرض. وهي كائنات وحيدة الخلية في معظمها، لا ترى إلا بالمجهر، وليست بالضرورة ضارة كما يتصور العامة – بل النقيض هو الأصح – فهذه الكائنات في الأصل تحتل جانبا رئيسيا من ميزان الأحياء، وتلعب دورا حيويا في دفع عجلة الحياة برمتها لتستمر في الدوران. فالميكروبات هي التي تحلل أجساد الأحياء بعد موتها، محررة بذلك شتى العناصر الكيميائية، لتصبح متاحة لدورات وأجيال جديدة من الأحياء. لولا الميكروبات إذن لتجمدت الحياة إن عاجلا أو آجلا في صورة جثث متراكمة للإنسان والحيوان والنبات. وما شأن الميكروبات الوبائية الضارة بين الميكروبات عامة إلا كشأن الضواري والوحوش بين الحيوانات، وكشأن السفاحين من البشر – قلة – ولكن لها أيضا دورها المرسوم في التوازن الحيوي. وتمثل البكتيريا أبسط الميكروبات، ومن ثم فهي أدنى الأحياء على الإطلاق. نشأت على كوكب الأرض في الماء منذ حوالي ثلاثة آلاف مليون سنة، حين كانت الظروف السائدة تختلف تماما عما هي عليه اليوم. من أوجه الخلاف مثلا أن غاز الأوكسجين الطليق الذي تعتمد عليه معظم الأحياء اليوم في التنفس لم يكن موجودا بعد في الغلاف الجوي. ولقد ارتبط ظهور هذا الغاز في الجو بنشأة البكتيريا الخضراء المزرقة، التي تنتج الأوكسجين من خلال عملية التمثيل الضوئي.

 

 
ويعتبر المختصون ذلك خطوة تطورية هامة على الأرض، مهدت لنشأة الأحياء التي تتنفس الأوكسجين. ولاشك أن كثيرا من ميكروبات الزمن الغابر قد انقرضت، حيث لم تعد ظروف الأرض صالحة لحياتها. كما أن هناك ميكروبات أخرى طرأ عليها التطور، لتواكب التغيير الذي تم في ظروف الأرض – وهي التي تعيش على كوكبنا الآن، وبيئتها الرئيسية هي التربة.

وإذا كانت الكرة الأرضية تنوء بحمل حوالي 7.2 مليار نسمة من البشر، فإن قبضة يد واحدة من التربة تحوي أضعافا مضاعفة لهذا العدد من الميكروبات. وللقارئ بعدئذ أن يتصور كم من هذه الأحياء تحمله الأرض في تربتها وأمواهها وهوائها وثلوجها وينابيعها الحارة وصحاريها، وعلى أسطح نباتاتها وفي أجواف حيواناتها المختلفة بما فيها الإنسان نفسه… !

يتصف ميزان الأحياء بالديناميكية – وتتباين أعداد الأجناس والأنواع المختلفة لتغير الظروف البيئية، التي قد تحفز تكاثر أحياء معينة، وتثبط تكاثر أحياء أخرى. يتضح من ذلك إذن أن الميزان قد يختل اختلالا محسوسا، كلما طرأ على البيئة تغير محسوس. وقد يصل الأمر إلى حد انقراض أجناس وأنواع من الأحياء تماما. ولاشك أن القارئ قد سمع بأشهر المنقرضين من حيوانات الزمن الغابر ألا وهو الديناصور. وانقراض نوع أو أنواع من الأحياء لا يشكل أي تهديد للحياة برمتها. بل يعني مجرد إخلال مؤقت بالميزان الحيوي السائد، وسرعان ما يستقر هذا الميزان على الوضع الجديد.

  
          

 
وقد يكفي للتدليل على خطورة هذه التغيرات البيئية أن نشير إلى أن أحد الإحصاءات العلمية، قد أثبتت أن عدد أنواع الأحياء التي انقرضت في القرنين الماضيين، بلغ حوالي 600 نوع، وهو رقم يثير الرعب حقا. وسوف نقصر حديثنا فيما يلي على عاملين اثنين هما (التلوث) و (الصراع).

التلوث أصبح من أخطر مشاكل العصر الحديث، وارتبط مداه بالتقدم العلمي والتقني، ومن تحصيل الحاصل أن نتعرض بالوصف لأنواع التلوث المختلفة، من كيميائي وحراري وضوضائي وإشعاعي وغيرها.

أما الصراع: فهو جزء أساسي وطبيعي من سلوك الأحياء، ويلعب دوره المرسوم في استقرار ميزانهم على الأرض. وليس هناك أحياء لا تتصارع، كما لا توجد بيئة على الأرض تخلو تماما من صراع بين الأحياء.

 
 

الإنسان – أرقى الأحياء – هو أكثرها اعتمادا على الأحياء الأخرى في أسباب وجوده. فهو يعتمد عليها اعتمادا كاملا في تغطية حاجاته من مأكل ومسكن وملبس وغيرها. والإنسان – كنوع حي ونتيجة لاعتماده التام على أحياء أخرى – يعتبر في الواقع أسير مجموعة من الظروف البيئية المحددة، إذا تطرق إليها خلل تهددت حياته.

وما يصدق على الإنسان يصدق أيضا بالنسبة لكثير من الحيوانات الراقية، لكن الميكروبات – أدنى الأحياء – تختلف في ذلك اختلافا كبيرا، فقد سبقت الأحياء جميعا إلى الوجود، ومن ثم فهي تتصف بدرجات من الاستقلالية في أساليب حياتها.

والميكروبات أقوى الباقين. وواضح أن هذه الصفة تعطي مثل هذه الميكروبات قدرا من المناورة والمرونة، لا يتوفر للكائنات الراقية بما فيها الإنسان. أما غذاء الميكروبات فيتباين هو الآخر بمرونة لا جمود فيها – إذ تتراوح الميكروبات في حاجاتها الغذائية بين الأبسط والأعقد. وأبسطها في هذا المضمار هي تلك التي تنتج غذاءها العضوي، بصورة كاملة من غاز ثاني أكسيد الكربون الجوي، كما تفعل النباتات الخضر. بل إنها تتميز عن النباتات الخضر أيضا في هذه الصفة. ذلك أن بعض الميكروبات قادرة على استخدام صور من الطاقة الكيميائية، فضلا عن الطاقة الضوئية التي تستخدمها النباتات الخضر، في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى المواد العضوية. أما الميكروبات التي تتصف بالحاجات الغذائية المعقدة فهي تشبه الإنسان، في اعتمادها على مواد عضوية تنتجها أحياء أخرى.

أما التلوث الكيميائي فخطورته على صحة البشر لم تعد محل جدل. ولو استمرت معدلات التلوث الحالية، فسوف تصل بالتأكيد في زمن غير بعيد إلى حدود مهلكة.

 

 
الحرب النووية الشاملة مع الأسلحة المبتكرة الموجهة ضد حياة البشر خاصة، هي التي يمكن أن تجتث الجنس البشري من الأرض، فماذا يا ترى سوف يكون عليه حال الميكروبات؟

ولا نختم هذا المقال، قبل أن نتطرق إلى الحديث عن التطور بعد وقوع الكارثة التي قد تهلك البشر – لا قدر الله – محاولين الإجابة عن السؤال الملح : هل يؤدي مثل هذا التطور إلى إنسان جديد في المستقبل القريب أو البعيد ؟ ولن يدعى أحد ما بلغ من الغرور – وقانا الله شره – إنه قادر على رسم خـُطا التطور بعد الكارثة النووية. وقصارى ما نستطيعه هنا – بناء على ما أتاحته لنا البحوث من معرفة – هو أن ننفي أو نؤكد بعض الأمور دون الخوض في التفصيلات. فأولا هل يستمر أو يستأنف التطور بعد الكارثة ؟ والإجابة  عن هذا السؤال هي على وجه اليقين : (نعم).

نخلص من ذلك إلى أن التطور سوف يستمر بعد الكارثة، ولكنه سوف ينمو نموا مختلفا، تماما عما لو لم تقع الكارثة النووية. وسوف يؤدي هذا التطور الجديد إلى كائنات (راقية) جديدة لا يعلم صفاتها إلا الله، ولكنها على وجه اليقين لن تكون مطابقة لصفات الجنس البشري الذي يحيا اليوم على كوكب الأرض.
*=*–*=*–*=*–

والله الموفق

2015-02-28

محمد الشودري


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.