الخـــلائـق - بريس تطوان - أخبار تطوان

الخـــلائـق

 

الخـــــلائــق 

 

 
خلق الله الأحياء على الأرض خلقين متباينين  متمايزين، هما النباتات والحيوانات.

إن النبات والحيوان في الحياة قرينان، فإن خفيت بينهما أول الأمر وحدة في التركيب، وإن خفيت بينهما وحدة في الوظائف. إن التدليل على أن المخطط لكليهما واحد، تلك الرابطة التي جعلت من النبات مأكولا، ومن الحيوان آكلا، وصنعت الحيوان بحيث لا يحيا أشكال أجسام، ووظائف أعضاء، وعصارات هضم، وإفرازات جسم، إلا على هذا النبات مأكولا، وصنعت النبات بحيث لا ينتفع به مهضوما، ومغذيا ومحترقا، ومعطيا من طاقة الحياة، إلا في الأجهزة الهاضمة، الفارزة، الحارقة، التي تزود بها هذا الحيوان، بالذي تضمنته من تفاعلات كيماوية معقدة، وأخرى فيزيائية وتقنية لعلها أكثر تعقيدا.

لهذا نكتفي الآن، وإلى حين، بالكشف عن الوحدة التي توجد في صنوف الحيوانات، وما أكثرها. إنها آلاف مؤلفة. وندع النبات جانبا، إلا ما أغرت المناسبة بذكره شملا للوحدة في سائر الخلق.

إن الخلية هي أول كشف، وأبسط كشف في معنى الوحدة التي تجمع بين أجسام الحيوانات جميعا و(النبات)، من حيوانات أرض إلى حيوانات بحر، إلى حيوانات هواء. ومن حيوانات ترى رأي العين، إلى حيوانات صغرت حتى دقت عن الأبصار.

 
 

 
إن الخلية Cell هي وحدة الخلق. إنها الوحدة التي تتألف منها المخلوقات الحية جميعا. يضارعها، من غير إمعان في التشبيه، الذرة، التي هي وحدة المادة، من حديد ونحاس وغير ذلك.

 
والحيوانات فيها من الأحياء ما لا يتألف إلا من خلية واحدة. وهذه الخلية الواحدة تقوم بكل وظائف الحياة، على بساطة، بالطبع.

 
ومن الحيوانات ما يتألف من الخلايا متكاثرة فيما بينها متعاونة.

 
وتتعدد الخلايا كلما كبر جسم الحيوان، وتتشكل، وتختلف وظائفها، وتقوم كل مجموعة من الخلايا بوظيفة غير الوظيفة التي تقوم بها مجموعة أخرى متخصصة في أمر آخر غير تخصص الأولى.

 
وبتجمع الخلايا المتشابهة تتألف الأنسجة Tissues مثال ذلك نسيج البشرة وهو الجزء العلوي من الجلد.

 
وبتجمع الأنسجة تتكون الأعضاء Organs، ولكل منها اختصاص. ولكل عضو عمل محدد. وربما جمع العضو بين أكثر من عمل واحد. ومثال ذلك المعدة.

 
وقد تقوم أعضاء عدة في الجسم فتكون جهازا لغاية كبرى. إنها أجهزة الجسم العضوية Organ Systems.

 
فالهضم مثلا، في الجسم المكتمل كجسم الإنسان، يشمل الفم والبلعوم والمريء والمعي الدقيق والمعي الغليظ والمستقيم والاست، ومع كل هذا هو يشمل أيضا الكبد والبنكرياس وغددا إفرازية أخرى. فهذا هو الجهاز الهضمي.

وكالجهاز الهضمي الجهاز التنفسي.

وكالجهاز التنفسي جهاز الدورة الدموية، والقلب مضختها.

وكالجهاز العصبي. وهلم جرا.

 
كل هذه الأجهزة تعمل في الجسم المكتمل الخلق، كجسم الإنسان الذي وصفناه، من حيث اكتماله ومن أجل اكتماله، بأنه على رأس الخليقة. ويدرسها الدارسون. ويدرسون كل جهاز وحده. وينسى الدارس في أثناء ذلك الرباط الوثيق الذي يجمع بين هذه الأجهزة جميعا لإجراء الحياة، متعاونة مترابطة متناسقة، كلا واحدا لا يتفرق. وينسى الدارس أن الجلد، مثلا، وهو بعض هذه الأجهزة، لو خرقه خارق، فدخله مكروب، لا تراه حتى العين، فقد يكون في دخوله توقف هذه الأجهزة جميعا عن عمل، يعقبه فناء هذه الدولة كلها، دولة هذا الجسم، تحفة الخلق في هذا الوجود.

فهذا في درجة السلم الأعلى في مراتب الحيوانات.

وننزل في السلم الحيواني درجة بعد درجة.

 
فنجد هذه الأجهزة الجثمانية المكتملة تقل، ونجد الأعضاء تنقص. ونجد العمل الذي كان تقسم على عدة أعضاء يقوم به عضو واحد. حتى إذا بلغنا آخر درجات السلم وصلنا إلى الحيوان المائي المعروف بالأميبة مثلا، فوجدناه يتألف من خلية واحدة، ولكنها خلية تجري وحدها كل مناشط الحياة من طعام وهضم وإفراز  وحركة وسكون وغير ذلك.

 
إن الحيوان المكتمل كالجامعة، بها كليات، وكل كلية بها فروع من المعرفة كثيرة، وكل فرع له فروعه وله أستاذه وله معاونوه وله طلابه. وتهبط من الجامعة إلى المدرسة الثانوية، فتجد العمل الذي كان توزع على مئات اكتفى بتوزعه على عشرات، وهو من أجل هذا تقاصر. وتنزل إلى المدرسة الابتدائية، فإلى المكاتب التي تجدها في بعض القرى الصغيرة، وليس بها إلا فصل واحد ومدرس واحد يدرس كل شيء. فهذه هي الأميبة التي عنها نحكي.

 

 
 أو إن الحيوان المكتمل، الإنسان، كالقصر، تعددت حجراته، وتعدد خدمه، وتعددت وظائفه. وفي حجرة الطعام مثلا تتعدد السكاكين، فهذه للزبدة، وهذه للحم، وهذه للسمك، وهذه للفاكهة. وتتعدد الشوك، وتتعدد الملاعق، ولكل عمل، المفروض انها بشكلها المختار أقدر على إحسانه. وهكذا في سائر مرافق القصر. وتهبط من القصر إلى ما دونه من الدور، فيقل التخصيص، فالسكين التي كانت تقطع الخبز، تقطع الزبدة، وتقطع اللحم، وتقطع الفاكهة. والملعقة التي تشرب بها الحساء هي التي تأكل بها الكسكس، وهلم جرا. حتى إذا جئت إلى البيت الأصغر، إلى الكوخ (الكوخ الأميبة) قد تجد الرجل الذي فيه، هو الرجل، وهو المرأة وهو الطابخ وهو الآكل، وهو المنظف للبيت. وبأصابعه وأسنانه يقشر الفاكهة إن تكن هناك فاكهة، وما أحسبها تكون في الكوخ الأميبة.

 
وبناء على تقارب التركيب بين سائر الحيوانات وتشابهه، وبناء على مقدار توزع العمل وتخصصه بين أجهزتها. قسموا الحيوانات مراتب، على رأسها الإنسان، وفي أوطئها الحيوانات ذات الخلية مثل الأميبة كما سبق أن ذكرنا. وهو تقسيم عرفه كل طالب أتم دراسته الثانوية أو هكذا أظن. ومع هذا نجمل هذا في كلمات قليلة نذكر بها فنقول:

إنهم قسموا الحيوانات قسمين عظيمين، ذوات فقار، وغير ذوات فقار.

أما ذوات الفقار فتحتوي أشهر ما نعرف من حيوان. وما الفقار إلا سلسلة العظام التي بالظهر وفيها يمر النخاع من المخ، ومن النخاع تتفرع الأعصاب إلى سائر الجسم.

 
ونذكر أشهر الفقاريات فنذكر الأسماك، وهي تعيش في الماء.

ثم البرمائيات التي تعيش في البر والبحر ومثلها الضفدع.

ثم الزواحف ومثلها التماسيح والثعابين.

 
ثم الطيور ومثلها الدجاج والصقور. ثم الثدييات، وهي التي لها ثدي ترضع وما أكثرها في خبرة الإنسان، فمنها الإنسان نفسه، والمواشي، والخيل، والقط، والكلب، والنمر، والسبع، والفيل والغزال، ومنها الحوت فهو يرضع فهو ليس من الأسماك.

 
أما غير ذات الفقار فمنها الاسفنجيات، ومنها المرجانيات، ومنها الديدان بشتى صنوفها، ومنها الرخويات كالمحار والحلزون، ومنها المفصليات كالحشرات والعناكب. ومنها ما دون ذلك بساطة كالأميبة، وهي تتألف من خلية واحدة.

 
وبالطبع لم نأت على ذكر كل أصناف الحيوانات، ولا راعينا في ذكرها ترتيبا خاصا، وإنما قصدنا من ذلك أن نعطي صورا متوالية من خلائق شتى نوضح بها ما في هذه الخلائق من اختلاف كبير في الحجم والشكل وفي البيئة، وفي باطن ما تحتويه هذه الأجسام وظاهرها، لنقول من بعد ذلك أن هذا الاختلاف العظيم الشامل في هذه الأحياء الحيوانية انما يخفي وحدة سارية جارية في الجميع، تتصل بالنظم التي تعنى بأصول الحياة وتشابه الأعضاء والأجهزة التي تجريها، وتشابه وظائفها وأسلوب إجرائها، والغاية التي تهدف إليها.

*—*—*—* 
والله الموفق

2014-09-16

محمد الشودري

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.