الحضـــــارة الحـــــــاضرة حضـارة آلة وعلم - بريس تطوان - أخبار تطوان

الحضـــــارة الحـــــــاضرة حضـارة آلة وعلم

 

 الحضـــــارة الحـــــــاضرة
حضـارة آلة وعلم
 

إن الحضارة الحاضرة، حضارة الطاقة، وحضارة آلة. ومن وراء الطاقة والآلة كان العلم.
 
وسبق العلم الآلة، بل صاحبها. إن من كشف المكروب أول كاشف، ورآه رأي العين، ذلك الرجل الهولندي العجيب الساذج لوڤنهوك Leeuwenhoek. كان يصنع عدسات صغيرة من زجاج في زمانه. وخال أن ينظر عبرها في الماء، وغير الماء، من طاهر الماء وغير طاهره، فرأى عجبا.

 
 
 
وجاليليو Galileo رأى من القمر ما رأى بمنظار مقرب هو صانعه. ويزيد العلم، فيزداد صنع الآلة، لتعينه في تقدمه. إن حواس الإنسان، وان يديه، وكل كفاياته كانت أعجز من أن تنال مبتغاه، فتقدم فكره يبتدع الآلة التي تزيد بها أذناه سمعا، وتزيد بها عيناه،على القرب والبعد ، بصرا. وكذلك الآلة  التي بها من القوة ما يزيد على قوة ألف من الرجال، ومن الدقة، برغم القوة، على دقة لم يألفها الإنسان إلا في أنامل المرأة الفنانة، والرجل الفنان.

 
 
 
وانشقت جهود بني الناس، في الأخذ بيد الحضارة في سبيلها المحتوم إلى غد، وبعد غد، انشقت عن علوم بحتة وعلوم مطبقة. ودخل الداخلون في هذه البحوث إلى أعماق كادت تستنفد قدرة الإنسان.
 
وانتفع الناس بهذه الحضارة الجديدة في بيوتهم، وفي طرقاتهم، وفي ملاهيهم، وانتفعوا في تزويد عقولهم والقلوب. واستطاع الرجل المتوسط في القرن العشرين أن يبلغ من نعمة الحياة ومتعتها فوق ما بلغ بعض الملوك في قديم القرون.
 
والحضارة الحضارة حضارة شق الإنسان طريقه إليها وهو غير واع كل الوعي بما يفعل. ويأتي الجيل الإنساني في حياته بالكثير الذي يزود به الحضارة. ويتخلق أثناء ذلك من ذريته جيل جديد، فيورثه كل علم عرف، وكل صناعة، ويغرس فيه نفس الأمل ونفس الطموح، فينشأ من بعد الجيل جيل يبني كما بنى سابقوه، ويأمل أملهم، ويطمح طموحهم.
وهم في كل ذلك كأنما هم مسيرون غير مخيرين.
 
لماذا تأخرت الحضارة الحاضرة فلم تبدأ إلا منذ 3 قرون أو أربعة. تأخرت لأسباب كثيرة، نستجلي أهمها في حادثين :

أولهما: ما أصاب العالم جاليليو من رجال الكنيسة عندما قال بأن الأرض تدور حول الشمس.
وثانيهما: ما كان من ضيق أهل ذلك الزمان بالكنيسة والانشقاق الذي وقع فيها ذلك الذي قام به لوثر Luther وكلفن Calvin وإضرابهما.

 
                                      
كلاهما دل على ضيق الكنيسة بالنقد، وضيقها خاصة بالرأي الحر خشية أن يصيب الإيمان بما تكره، فوقفت للرأي الحر بالمرصاد. وتغلب الأحرار، فكان من بعد ذلك للعلم في جو الحرية الفكرية انطلاق. واللطيف الذي يذكر أن العلماء الذين جاءوا من بعد ذلك كانوا مسيحيين خلصاء. كان كذلك جاليليو الإيطالي، وكان كذلك كبيرهم إسحاق نيوتن الإنجليزي، وكان غير هذين من رجال العلم الجديد.

 
 
نشأت الحضارة الحاضرة في أوربا بسبب ظروف معروفة، فسبق إلى الحضارة أهلها. وتخلف سائر أهل الأرض.
 
ونظر المتخلفون إلى الفوائد الكثيرة التي جاءت بها هذه المدنية الحاضرة، فخففت بها من ثقل العيش، وأضافت إلى العيش المتع الكثيرة. فتحركت فيهم الرغبة أن يتقدموا ليلحقوا بالذي سبق إليه هؤلاء لينعموا بما نعموا.
 
والحضارة عند المتخلفين هي هي هذه الحضارة الأوروبية الحاضرة لا غيرها. ذلك لأنهم ما عرفوا غيرها، ولأن  ما أسدت هذه الحضارة الغربية إلى أهلها من نعم، ملأت الأبصار فلم تر من الحياة الدنيا شيئا غيرها.
 
وانقسم المتخلفون فيما بينهم، هل يأخذون من هذه الحضارة الحاضرة أو لا يأخذون فصار منهم رافضون الحضارة الحاضرة، ومنهم لها قابلون.
 
وانقسم الرافضون، فمنهم من يرفضها كما وكيفا، ومن ألفها إلى يائها، لأن عندهم أن التفاحة التي بها عطب يلقى بها في القمامة، ولو كان بها جزء سليم. ومن الرافضين من يحرص على الجزء السليم من التفاحة، فهو له حافظ.
 
وانقسم كذلك القابلون، فمنهم من يقبل الحضارة الحاضرة، عاطبها والسليم. ومنهم من لا يقبل غير السليم.
 
والحق أن الحضارات، عندما تهب على الأمم، تكون كالريح إذ تهب فتشمل سطح الأرض كله، وتملأ أجواءها، وقليلا ما تبالي بقابل لها أو رافض.
 
ولقد علمنا أن القردة تحسن التقليد، وانه من خصائصها. ونذكر القردة وننسى الإنسان، وهو أكبر مقلد. يقلد طفلا، ويقلد رجلا وامرأة، ويقلد أمة. ومن أجل هذا دخل إلينا نحن العرب من حضارة الغرب ما دخل، دون أن يستأذن لدخول، أو نأذن له بدخول. دخل، وإذا هو بيننا ولا ندري كيف دخل.
 
إن الشعوب هي التي تقبل ولا تدري أنها تقبل، وهي التي تصد وترفض.
 
ومع هذا فالشعوب لها حس دفين تدرك به النافع والضار، والذي لا ينفع ولا يضر، وقد تغضب على ما لا تحب مواسعة في الأفق ومصابرة، حتى إذا دق الأبواب الضارُّ الذي لاشك فيه فما أسرع ما يضمر لقلة العناية به والترحاب.
 
ونحن العرب عندما ننظر في الحضارة الحاضرة، ونطلب الجد دون الهزل، نرى فيها أشياء لابد أن نقتبسها. فالعلم لابد أن نقتبسه. والتقنية لابد أن نقتبسها. ويدخل في ذلك العلوم الطبيعية جميعها، من رياضة، إلى فلك، إلى فيزياء، إلى كيمياء، إلى علم أرض، إلى علم بحار، إلى علم نبات، إلى علم حيوان، إلى طب. ويدخل في ما دخل من الصناعة كل ما نحتاج إليه، مما يسهل العيش، ويضاعف إنتاج العمر.
كل هذه سبل واضحة لا خفاء فيها، ولا يمكن أن يكون عليها خلاف.
 
فإذا جئنا إلى النظم الاجتماعية والاقتصادية اختلفنا، لأن الحضارة الحاضرة نفسها اختلفت فيها. فإذا أخذنا منها فلنأخذ الصالح الذي تصلح عليه حياة الجماهير. المصلحة أولا هي الحكم. المصلحة في هذه البيئة، ولهؤلاء الرجال والنساء خاصة، في هذا الزمان.

 
 والإدارة والحكم، كذلك اختلفوا فيهما. اختلف أهل الحضارة الحاضرة. فلنا أن ننظر وأن نتخير، ويتخير الشعب معنا.

-*-/*-/*-/*-/*-
والله الموفق
2014-08-25
محمد الشودري 

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.