الحـوافــز فـي حيــاة النــاس - بريس تطوان - أخبار تطوان

الحـوافــز فـي حيــاة النــاس

 

الحـوافــز فـي حيــاة النــاس

أنت جالس في حجرتك.

ثم إذا بك على حين بغتة تقوم لتغلق النافذة.

إنك أحسست تيار الهواء البارد يأتي منها فقمت تسد مداخله. أما الحافز إلى قيامك هذا، فخشيتك من البرد. وأما الغاية فطلب الدفء. حافز، وغاية. طرفان لشيء واحد. الحافز يبدأ عملا، والغاية ينتهي إليها العمل. وقد نتجاوز عن هذا التفريق فنقول ان قيامك لإغلاق النافذة كان حافزه طلب الدفء.

ولكنك تطلب الدفء، ليصح جسمك. إذن طلب الصحة كان لك حافزا. ولكنه حافز أبعد من  طلب الدفء. غاية قريبة تطلبها (الدفء) وراءها غاية أبعد (الصحة). كلاهما هدف.

ثم قط قبع في الحديقة في الظل، ثم إذا به على حين بغتة يتحول إلى الشمس. انه مثلك أحس البرد فتحول إلى الدفء. حافز حركه، وغاية طلبها. ولكنه وقف عند هذه الغاية القريبة (الدفء) فلم يطلب غاية أبعد منها (الصحة). فهمه وقف عند هذا. انها الغريزة تعمل، عندما  يعجز أو يتخلف الفهم.

إذن فحتى في العمل الغريزي، في غيبة الفهم والعقل، حافز وغاية.
 

    والإنسان، أبو الحيوانات جميعا فهما وأنضجها عقلا، يبدأ حياته بأعمال كلها غريزي. يحس الطفل بالجوع فيطلب الثدي. ألم الجوع حافز، والثدي غاية. وهي غاية تقف عند هذا الحد، فالطفل لا يفهم أن الغذاء من ضرورات الحياة. ولكن يفهم الطبع. غاب الفهم عن الطفل، فقام الطبع عنه بالفهم. وهذا معنى من معاني الخلق خطير عميق. ما قام في الحياة عجز، إلا قامت الطبيعة، في النمط السوي من الحياة، بسد هذا العجز.

المهم في كل هذا أنه ما من حركة تصدر عن حي من الأحياء، الا ولها حافز يسبقها، وغاية تستهدفها. فإن عجز الحي عن صنع حافز وغاية، قام الطبع يطلق له في جسده، وفي نفسه، حافزا، تستجيب له غاية. ومن وراء الطبع إرادة “الطابع”. وهي إرادة تشمل هذا الوجود الحي كله.

والمال، حافز أي حافز. وبالمال أعني أول ما أعني، الأجر. فليس شيء أقدر على الكشف عما في قدرة العامل من بقايا خافية كالأجر يرجو زيادته. فإذا زاد العامل من قدرة يبذلها، ولم يزد أجره تبعا لذلك، انطفأت من حوافز العمل شعلة هي أكبر الطاقات في دفع العجلات.
 
 
 

 
 

 كذلك يبوخ تحرق العامل إلى العمل إذا استوى أجر مجتهد وأجر متخاذل متكاسل. أو استوى أجر عامل ذي مهارة وكفاية، وأجر من لا مهارة له ولا كفاية.

إن المساواة تكون في إتاحة الفرص أمام العاملين لكسب مهارة أو كفاية كائنة ما كانت، ولكنها تقتل الأمل إذا هي دخلت إلى أجور عمل، ومع قتل الأمل قتل العمل.
 

 وكالأجور المكافآت عند كل إحسان. وإلى جانب اختلاف الأجور أنشأوا جوائز لكل إحسان في عمل. حتى العلماء جعلوا للمحسن منهم مكافآت صنوفا، وبمقادير شتى. بيت له ولأهله خاصة. سيارة فخمة بقدر ما هناك من فخامة. منح بلغت أحيانا آلافا من الدراهم يمد يده إليها العالم، العامل جهده، في غير استحياء، مع أنها الثراء، لأنها صارت حلالا مشاعا بعد أن تبينوا اثر الحوافز في الأعمال.

ومن أجل هذا، وبسبب ما في الإنسان من أطماع لا يشبعها إلا التراب، فتحوا للثراء بابا ينطلق منه إلى أي مدى شاء شريطة ألا يكون الثراء وسيلة استغلال، أو سعيا إلى استعباد رجل رجلا. والملكية الفردية أجازوها، وأجازوا أن يبتني العامل على جميع المستويات منزله بالذي يكسب من مال. وهو يملكه بناء، ولا يملك أرضه، فأرضه للدولة. وهو يستطيع بيعه ويستطيع حتى تأجيره، ولا يكون هذا منه استغلالا.

ولست أذكر هذا لأذم أو أمدح. وأذكر هنا الروس على سبيل المثال، حتى وقد بدأوا باتخاذ المجتمع وحده، دون الفرد، صنما يعبد، استيقظوا آخر الأمر إلى أن المجتمع ليس معنى مجردا معلقا في السماء، تحني له الرجال ظهورها من فوق سطح الأرض، ولكنه معنى إنساني عظيم، يرجى له الخير كل الخير. ولكن بحسبان انه جمع هائل من أفراد من بني الناس، لهم أعناق تشرئب تطلب نعمة الحياة معقولة، ولهم آمال هي كالحــُداء يغسل عن الإنسان السأم، وهو مخترق صحراء الحياة، وهي جرداء طويلة، فوق نياقه والأباعر.
 

والله الموفق

10/01/2014

محمد الشودري

 

 

 

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.