اَلْحُرِّيَّةُ وَالْمَسْؤُولِيَّةُ فِي قَانُونِ الصَّحَافَةِ المَغْرِبِيّ - بريس تطوان - أخبار تطوان

اَلْحُرِّيَّةُ وَالْمَسْؤُولِيَّةُ فِي قَانُونِ الصَّحَافَةِ المَغْرِبِيّ

 
 
اَلْحُرِّيَّةُ وَالْمَسْؤُولِيَّةُ فِي قَانُونِ الصَّحَافَةِ المَغْرِبِيّ

تَأَرْجُحٌ بَيْنَ الْأَمْنِ الَقَانُونِيِّ وَالسِّيَاسَةِ الجْنَائِيَّةِ

 

مما لا يحتمل الشك أن ركيزة حرية الرأي والتعبير هي الصحافة، باعتبار هذه الأخيرة مرآة تعكس قيم الحرية والإستقلالية في إطار قوانين الصحافة والنشر.

إن قيمة الحرية مكون لا تقوم الصحافة بدونه، كما أن العمل الصحفي يعتبر سلوكا وممارسة قبل كل شيء، لذلك فهو يحتاج إلى قانون يؤطره ويحدد المسؤوليات التي تترتب عن الإخلال بمبادئه سواء كانت مدنية أو جنائية.

وبرجوعنا إلى تاريخ الصحافة بالمغرب، نجد أن أول قانون نظمه كان في فترة الحماية (1914) المستمد من القانون الفرنسي آنذاك (1881)، ومن البديهي أن المستعمر توخى فيه التقييد على حرية الصحافة لخدمة مصالحه الإستعمارية في المغرب، أبرزها منع نشر صحف باللغة العربية، وبعد الإستقلال قرر المغرب القطع مع سياسات المستعمر ليخرج إلى النور سنة 1958 ظهير الحريات العامة، الذي نظم بابه الثالث مجال الصحافة والنشر، حيث عرف تعديلات مهمة سنوات 1959 و1960 و1963 و1973 و1992، وصولا إلى قانون 77.00 لسنة 2002.

فإذا كانت الحرية والمسؤولية مكونان أساسيان يتضمنهما قانون الصحافة، فإنه حري بنا التساؤل عن العلاقة بينهما في ظل مبدإ الأمن القانوني والسياسة الجنائية، هل هي علاقة تكافؤ وتناغم؟ أم هي علاقة تحتمل جدلية الغالب والمغلوب؟

قبل أن نتطرق إلى قانون 77.00 المنظم للصحافة بالمغرب، يجدر بنا التعريج ولو باختصار شديد على السيرورة التاريخية لهذا القانون حتى نفهم الإطار العام والسياق المجمل الذي أتى فيه.

إذ نجد أول القوانين كان سنة 1914، وبالرجوع إليه يتبين أن الحرية كان لها هامش ضئيل جدا بالمقارنة مع حجم المسؤوليات الجمة التي تترتب عن تجاوز فصول هذا القانون، حيث منع صدور الجرائد باللغة العربية قصد إعدام الوعي في صفوف المغاربة، علاوة على أنه كل من رغب في إنشاء مقاولة صحفية عليه أن يدفع قدرا من المال كخطوة أولية لتأسيس الجريدة، إضافة إلى الغرامات الكثيرة التي يمكن أن تسقط فيها الصحيفة الناطقة بالفرنسية.

أما بخصوص التعديلات التي تلت ظهير 1958، فقد اتسمت غالبيتها بالطابع السياسي الذي كان في تلك الفترة، جراء عمليات القمع وممارسة العنف من جانب السلطة، خصوصا ما حدث سنة 1971 و1972 من محاولتين انقلابيتين على القصر الملكي، وما شهده المغرب سنة 1973 من مطاردة وقمع لأحزاب اليسار واليسار الجديد، ليتم تكريس سياسة الوعيد والتشديد.

وقد تميزت سنة 2011 بفتح مجال أكير للصحافة وحرية التعبير والكتابة والنشر، انطلاقا من الدستور الذي يعد أعلى وثيقة في البلاد، لذلك فكل القوانين التنظيمية الخاصة والعامة تستمد من خطوطه العريضة، حيث نجد المادة 25 و28 منه نصتا صراحة على حرية الرأي والتعبير ونشر الآراء بأية وسيلة كانت، ما عدا التي يمنعها القانون صراحة، إضافة إلى حق الوصول إلى المعلومة الذي نصت عليه المادة 27، باعتباره منبع حياة الصحافة وأكسجينها، ودسترة هذا الحق يعد مكسبا للصحفيين المهنيين، حيث يخول لهم استقاء المعلومات الضرورية للعمل من المؤسسات العمومية كافة، إلا تلك التي يمكن أن تخل بالأمن القومي أو بالدفاع الوطني أو بالإستراتيجيات الإقتصادية الكبرى للبلاد، وهذا الحق الدستوري سيتم إنزاله في القريب العاجل عبر مشروع قانون 31.13 المنظم له، حيث يتضمن مسطرة الوصول إلى المعلومة من مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية المغربية، عن طريق ملئ استمارات لها آجال محددة، كما ان هذا الحق لا يقتصر فقط على الصحفيين بل يتعداهم ليشمل كل المواطنين.

وإذا كانت الحرية ممارسة وقيمة تعاش، فإن التنصيص عليها بأي شكل من الأشكال يكفلها في نطاق القانون، لذلك لابد من توفر عدة شروط في القاعدة القانونية لتمدنا بهذا المعنى، وهذا ما يحيلنا على مبدإ الأمن القانوني الذي يعد مفهوما جديدا، لكن تمثلاته على مدار قوانين الصحافة والنشر كان قويا، ومعناه استشفاف الأمن من القاعدة القانونية شكلا ومضمونا، حيث يجب أن تتسم بالوضوح وتتوخى زاوية التحديد والتضييق لا التعميم والإطلاق، وهذا ما لا نجده مثلا في الفصل 41 من قانون الصحافة والنشر الذي يشير إلى ‘…عدم الإخلال بالإحترام الواجب للملك…’ إضافة إلى عبارات من قبيل ‘المس بالنظام العام’، وهذه الجمل قانونيا تعد فضفاضة، إذ تتيح المجال للتأويل وإيقاع التجريم على الصحفيين من طرف القضاء، كما أن هذا المعطى يخالف ما جاءت به المادة 19 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية (1966)، التي تنص على أن تقييد جزء من حرية الصحافة مكفول للدول، شريطة وضع نصوص قانونية صريحة واضحة لا تحتمل تأويلا، علما أن المغرب ضمن في ديباجة دستوره سمو المعاهدات والمواثيق الدولية على قوانينه الداخلية! ولعل هذه التجليات تحيلنا على مفهوم السياسة الجنائية المتبعة في المغرب.

إن المسؤولية في الصحافة مفهوم واسع يحتمل عدة زوايا، فهناك مسؤولية الصحفي النابعة من أخلاقيات المهنة التي تعد ملزمة له أدبيا، وهناك المسؤولية التي يرتبها القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر على كل المخالفات التي جرمتها القوانين.

ولو عدنا إلى الإطار الدولي في هذا المجال، نجد أهم مرجع هو اتفاقية ‘ميونخ’ الموقعة سنة 1971، بين مختلف الصحفيين الأوروبيين، حيث نصت في وجهين على: حق الصحفي، ومسؤولية الصحفي في إطار الأخلاقيات المتعارف عليها، سواء كانت اتجاه المتلقي أو اتجاه السلطة، ولعل أبرزها نقل المعلومات الصحيحة والدقيقة وتكريس الحيادية والموضوعية في طرح المواضيع، ومراعاة ما دُرج عليه في دولة معينة من اتباع لأخلاقيات وسلوكات يعد الخروج عنها شبهة توقع صاحبها في مستنقع الإستنكار والشجب.

وإن كان هذا التنظير يمس أساسا جانب الضمير في المهني العامل، فإن قوانين الصحافة والنشر استمدت شرعيتها في وضع قواعد قانونية ضمنتها ما هو مسموح وما هو ممنوع تناوله من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 (المادة 19)، والعهد الدولي للحقوق السياسة والمدنية الصدر سنة 1966، والذي تعد مادته 19 شارحة ومفسرة لنفس المادة من ميثاق حقوق الإنسان السابق.

وعلى صعيد آخر، يمكننا القول أن ما يحكم قانون الصحافة بالمغرب هي الإرادة السياسة، التي تحيلنا بالضرورة على مفهوم السياسة الجنائية الذي يعبر عن مدى توجه الدولة في محاربة الجريمة بوضع قواعد قانونية تكفل هذا المبتغى، لنجد في مختلف الجرائم مدا وجزرا – تخفيفا وتشديدا – حسب الحالة العامة للبلاد على مستوى التجريم والزجر والعقاب.

ولعل قانون الصحافة والنشر يكرس لهذا المفهوم انطلاقا من قصور الأمن القانوني في بعض مواده من جهة، وتوخي إنزال العقوبة عوض تبني المفهوم الأعمق للسياسة الجنائية الذي يفيد الزجر والوقاية من جهة أخرى.

وهذا التوجه من شأنه أن يكثف المسؤوليات التي تطال الصحفي، حيث نجد أن العقاب في مجال الصحافة ذو طابع تسلسلي وتراتبي، وهذا حتى تكون نسبة الإفلات من العقاب %0، وإذا كان منطق صياغة قانون بهذا الشكل يمثل سلطوية الدولة – التي تسعى إلى غل الأفواه وكسر الأقلام – فإنها أيضا تحمل الصحافي مسؤولية الظروف السياسية التي تعيشها البلاد وكأنه مسؤول عنها، ليتبدى للعموم أن الصحافي في المغرب فاعل لا ناقل، لكن واقع الصحافة في المغرب يجعلها مجرد ناقل للأحداث والأخبار لا فاعلا رئيسيا، خصوصا ما ارتبط منها بالشأن السياسي.

 

 

بقلم: نــور أوعــلــي

طالب باحث بماستر القانون ووسائل الإعلام بتطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.